للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحلب والحجاز، وأراد الدخول إلى العراق ففترت همّته من خوف الطريق، ورحل إلى الإسكندرية، ثم عزم على التوجه إلى تونس فلم يقدر له ذلك، وصنّف «تخريج أحاديث الإحياء» واختصره في مجلد ولم يبيضه [١] ، وكتبت منه النسخ الكثيرة، وشرع في إكمال «شرح الترمذي» لابن سيّد الناس، ونظم «علوم الحديث» لابن الصلاح وشرحها، وعمل عليه نكتا، وصنّف أشياء أخر كبارا وصغارا، وصار المنظور إليه في هذا الفنّ من زمن الشيخ جمال الدّين الإسنائي وهلم جرا، ولم نر في هذا الفنّ أتقن منه، وعليه تخرّج غالب أهل عصره، ومن أخصهم به نور الدّين الهيثمي، وهو الذي درّبه وعلّمه كيفية التخريج والتصنيف، وهو الذي يعمل له خطب كتبه ويسميها له، وصار الهيثميّ لشدة ممارسته أكثر استحضارا للمتون من شيخه، حتّى يظنّ من لا خبرة له أنه أحفظ منه وليس كذلك، لأن الحفظ المعرفة، وولي شيخنا العراقي قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين، فأقام بها نحو ثلاث سنين، ثم سكن القاهرة، وأنجب ولده القاضي القضاة ولي الدّين. لازمت شيخنا [٢] عشر سنين تخلل في أثنائها رحلاتي إلى الشام وغيرها، وقرأت عليه كثيرا من المسانيد والأجزاء، وبحثت عليه شرحه على منظومته وغير ذلك، وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن، وكتب لي خطه بذلك مرارا، وسئل عند موته من بقي بعده من الحفّاظ فبدأ بي، وثنّى بولده، وثلّث بالشيخ نور الدّين، وتوفي عقب خروجه من الحمّام في ثاني شعبان وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة، نظير عمر شيخنا شيخ الإسلام سراج الدّين، وفي ذلك أقول في المرثية:

لا ينقضي عجبي من وفق عمرهما ... العام كالعام حتّى الشّهر كالشّهر

عاشا ثمانين عاما بعدها سنة ... وربع عام سوى نقص لمعتبر

انتهى باختصار.

وفيها القاضي بل السّلطان برهان الدّين أبو العبّاس أحمد [بن عبد الله] [٣]


[١] في «آ» و «ط» : «وبيضه» والتصحيح من «إنباء الغمر» .
[٢] يعني المترجم.
[٣] ترجمته في «درر العقود الفريدة» للمقريزي (١/ ٢٥٣- ٢٥٦) و «الضوء اللامع» (١/ ٣٧٠- ٣٧١)

<<  <  ج: ص:  >  >>