للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقاهرة، واشتغل بالعلم، ودرّس بعد وفاة أبيه وله بضع عشرة سنة، وسمع من محمد بن إسماعيل الأيوبي، والقلانسي وغيرهما، واشتهر بصدق اللهجة، وجودة الرأي، وحسن التذكير، والأمر بالمعروف، مع الصّرامة والصّدع بالوعظ في خطبه وقصصه، وصارت له وجاهة عند الخاصة والعامة، وانتزع خطابة جامع ابن طولون من ابن بهاء الدّين السّبكي، فاستمرت بيده، وكان مقتصدا في ملبسه مفضالا على المساكين، كثير الإقامة في منزله مقبلا على شأنه، عارفا بأمر دينه ودنياه، يتكسب من الزراعة وغيرها، ويبرّ أصحابه مع المحبة التّامة في الحديث وأهله، وله حكايات مع أهل الظّلم، وامتحن مرارا، ولكن ينجو سريعا بعون الله، وقد حجّ مرارا وجاور، وكانت بيننا مودة تامة.

مات ليلة الحادي عشر من ذي الحجّة ودفن عند باب القرافة، وكان الجمع في جنازته حافلا جدا، فرحمه الله تعالى. انتهى.

وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي الشافعي [١] .

حفظ «التنبيه» في صباه، وقرأ على الشّرف بن الشّريشي، ثم تعانى عمل المواعيد فنفق سوقه فيها، واستمر على ذلك أكثر من أربعين سنة، وصار على ذهنه من التفسير والحديث وأسماء الرجال شيء كثير، وكان رائجا عند العامة مع الدّيانة وكثرة التّلاوة، وكان ولي قضاء بعلبك، ثم طرابلس، ثم ترك واقتصر على عمل المواعيد بدمشق، وقدم مصر وجرت له محنة مع القاضي جلال الدّين البلقيني، ثم رضي عنه وألبسة ثوبا من ملابسه، واعتذر إليه ورجع إلى بلده، وكان يعاب بأنه قليل البضاعة في الفقه، ومع ذلك لا يسأل عن شيء إلّا بادر بالجواب، ولم يزل بينه وبين الفقهاء منافرات.

قال ابن حجر: ويقال: إنه يرى حلّ المتعة على طريقة ابن القيم وذويه.

ومات مطعونا في ربيع الآخر وهو في عشر السبعين.


[١] ترجمته في «إنباء الغمر» (٧/ ٢٣٣) و «الضوء اللامع» (٤/ ١١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>