وفيها الحافظ شمس الدّين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف، المعروف بابن الجزري [١] الشافعي، مقرئ الممالك الإسلامية.
ولد بدمشق ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه بها، ولهج بطلب الحديث والقراآت وبرّز فيهما، وعمر للقراء مدرسة سمّاها دار القرآن، وأقرأ الناس، وعيّن لقضاء الشام مرة ولم يتم ذلك لعارض، وقدم القاهرة مرارا، وكان شكلا حسنا، مثريا، فصيحا بليغا، وكان باشر عند قطلبك استادار ايتمش، فاتفق أنه نقم عليه شيئا فتهدده، ففرّ منه، فنزل البحر إلى بلاد الرّوم في سنة ثمان وتسعين، فاتصل بأبي يزيد بن عثمان فعظّمه وأخذ أهل البلاد عنه علم القراآت، وأكثروا عنه، ثم كان فيمن حضر الوقعة مع ابن عثمان واللّنكية، فلما أسر ابن عثمان اتصل ابن الجزري باللّنك، فعظّمه وفوّض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة، وكان كثير الإحسان لأهل الحجاز، وأخذ عنه أهل تلك البلاد القراآت والحديث، ثم اتفق أنه حجّ سنة اثنتين وعشرين فنهب، ففاته الحجّ، وأقام بينبع، ثم بالمدينة المنورة، ثم بمكّة إلى أن حجّ ورجع إلى العراق، ثم عاد سنة ست وعشرين، وحجّ، ودخل القاهرة سنة سبع، فعظّمه الملك الأشرف وأكرمه، وحجّ في آخرها، وأقام قليلا، ودخل اليمن تاجرا فأسمع الحديث عند صاحبها ووصله، ورجع ببضاعة كثيرة، فدخل القاهرة في سنة سبع، وأقام بها مدة إلى أن سافر على طريق الشام ثم على طريق البصرة، إلى أن وصل شيراز.
قال ابن حجر: وقد انتهت إليه رئاسة علم القراآت في الممالك، وكان قديما، صنّف «الحصن الحصين» في الأدعية، ولهج به أهل اليمن، واستكثروا منه، وسمعوه عليّ قبل أن يدخل هو إليهم، ثم دخل إليهم فأسمعهم، وحدّث بالقاهرة ب «مسند أحمد» و «مسند الشافعي» وغير ذلك. وسمع بدمشق وبمصر من ابن أميلة، وابن الشيرجي، ومحمود بن خليفة، وعماد الدّين ابن كثير، وابن أبي عمر، وخلائق وبالإسكندرية، من عبد الله بن الدّماميني، وببعلبك من أحمد بن
[١] ترجمته في «الضوء اللامع» (٩/ ٢٥٥) و «غاية النهاية» (٢/ ٢٤٧) و «الدليل الشافي» (٢/ ٦٩٧) .