للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذ من بلاد الجركس، وأبيع بالقرم. ثم اشتراه بعض التجار وقدم به إلى الجهة الشامية، فلما وصل إلى مدينة ملطية اشتراه نائبها الأمير دقماق المحمدي، ثم أرسله إلى الملك الظّاهر برقوق في جملة تقدمة هائلة، ثم أعتقه برقوق، وتنقلت به الأيام إلى أن صار ساقيا في دولة الناصر فرج، ثم انحرف إلى جهة الأميرين شيخ، ونوروز، وصار معهما إلى أن قتل الناصر، وقدم صحبة الأمير شيخ إلى الديار المصرية، وصار من جملة الأمراء بها، ولا زال يترقّى إلى أن صار أمير مائة مقدم ألف، ثم ولي نيابة طرابلس سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ثم عزل وقبض عليه وحبس بالمرقب ثم أفرج عنه، وصار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق، ثم عاد إلى الدّيار المصرية صحبة الملك الظّاهر ططر سنة أربع وعشرين، ثم تنقلت به الأحوال، إلى أن بويع بالسلطنة في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين، فساس الملك أحسن سياسة، ونالته السعادة، وفتحت في أيامه عدة فتوحات، منها ماغوصة قبرص، ثم بقية جزيرة قبرص، وأسر ملكها جينوس، ولم يقتل من المسلمين إلّا القليل، ثم عرض عليه جينوس ومن معه من الأسرى وهو يرفل في قيوده على برسباي، فذرفت عيناه، وأعلن بالحمد والشكر، ورتّب له ما يكفيه، ثم أطلقه وأعاده بعد أن ضرب عليه الجزية واستمرت، وكان برسباي ملكا، جليلا، مهابا، عارفا، سيوسا، متواضعا، حسن الخلق، شهما، شجاعا، ذا شيبة نيّرة، وهيئة حسنة، متجملا في حركاته، حريصا على ناموس الملك، لا يتعاطى شيئا من المسكرات، محبا لجمع المال، مكثرا من المماليك، شرها في جمع الخيول والجمال وغيرها. وكانت أيامه في غاية الحسن، مرض في أوائل شعبان وتطاول به المرض، ولما قوي عليه المرض وسط طبيبه العفيف الأسلمي رئيس الأطباء، وزين الدّين خضر في يوم السبت رابع شوال. ولما قدم العفيف للتوسيط [١] استسلم وثبت حتّى صار قطعتين، وقدم خضر فراع، وجزع جزعا شديدا، ودافع عن نفسه، وصاح وبكى، فتكاثروا عليه، ووسطوه توسيطا معذبا لتلوّيه واضطرابه فساءت القالة في السلطان، وقوي مرضه من حينئذ، وابتلي بالصّرع المهول، إلى


[١] في «آ» : «التوسط» .

<<  <  ج: ص:  >  >>