وقال النّعيمي: فوض إليه قضاء مصر في تاسع عشر ذي الحجّة سنة ست وتسعمائة عوض محيي الدّين بن النّقيب، أي وبقي في القضاء إلى سنة عشر وتسعمائة فعزل بالشّهاب بن الفرفور كما ذكره الحمصي، ثم أنعم عليه الغوري بمشيخة قبته الكائنة قبالة مدرسته الغورية بمصر، واستمرّ في المشيخة إلى سنة تسع عشرة فوقعت حادثة بمصر وهي أن رجلا اتّهم أنه زنى بامرأة، فرفع أمرهما إلى حاجب الحجاب بالدّيار المصرية الأمير انسباي فضربهما فاعترفا بالزّنا، ثم بعد ذلك رفع أمرهما إلى السلطان الغوري فاحضرا بين يديه، فذكر أنهما رجعا عما أقرّا به من الزّنا قبل، فعقد السلطان لذلك مجلسا جمع فيه العلماء والقضاة الأربع، فأفتى صاحب الترجمة بصحة الرجوع، فغضب السلطان لذلك، وكان المستفتي القاضي شمس الدّين الزّنكلوني الحنفي وولده، فأمر السلطان بهما فضربا في المجلس حتّى ماتا تحت الضّرب، وأمر بشنق المتهمين بالزّنا على باب صاحب الترجمة فشنقا، وعزل صاحب الترجمة من مشيخة القبّة الغورية والقضاة الأربعة: الكمال الطّويل الشافعي، والسّري بن الشّحنة الحنفي، والشّرف الدّميري المالكي، والشّهاب الشّيشني الحنبلي، واستمرّ صاحب الترجمة ملازما لبيته والناس يقصدونه للأخذ عنه والاشتغال عليه في العلوم العقلية والنّقلية.
قال الشعراوي: وكان من المقبلين على الله عزّ وجل ليلا ونهارا، لا يكاد يسمع منه كلمة يكتبها عليه كاتب الشمال، وكان لا يتردد لأحد من الولاة أبدا، وكان يتقوت من مصبنة له بالقدس ولا يأكل من معاليم مشيخة الإسلام شيئا، وكان قوّالا بالحقّ، آمرا بالمعروف، لا يخاف في الله لومة لائم، وكان الناس يقولون:
جميع ما وقع للغوري بسر الشيخ. انتهى ومن فوائده ما ذكره الزّين ابن الشّماع في «عيون الأخبار» قال: وقد حضرت دروسه [١] بالقاهرة سنة إحدى عشرة فأتى بفوائد كثيرة، وختم المجلس بنكتة فيها بشارة جليلة، فقال ما حاصله: اختم المجلس ببشارة عظيمة ظهرت في قوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ١٥: ٤٩ [الحجر: ٤٩] قال: قوله تعالى: