الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، الذي كان في طليعة من أسهم في تعليمي وتثقيفي وإرشادي وتوجيهي في مراحل مختلفة من الحياة، جزاه الله تعالى خير الجزاء وأحسن مثوبته يوم الدّين.
وكل هذه الأسباب جعلتني أقترب من الكتاب أكثر فأكثر، حتى أصبحت أسيرا طيّعا له، فكنت لا أبرح كتابا، حتى أتناول غيره، ولا أغادر مجلة، حتى أتناول غيرها، وكنت أشغل وقتي في أثناء ركوبي في السيارات والحافلات بقراءة الصحف في أكثر الأحيان.
وكانت أسعد الأوقات في حياتي، هي تلك الساعات التي كنت أقضيها في مساعدة والدي حفظه الله بتصحيح تجارب الطبع لبعض الكتب التي عني بتحقيقها منذ سنوات طويلة.
ثم شدّتني الصحافة إليها، فنشرت عددا من المقالات المنوعة في عدد من المجلات في سورية وغيرها من الأقطار، ثم صنّفت من مجموع ما تخيّرته من تلك المقالات ثلاثة كتب، هي:«الكشكول الصغير» ، و «عناقيد ثقافية» ، و «زهرات الياسمين» .
وكنت في أثناء هذه الفترة التي قضيتها في الاهتمام بالصحافة وما يتصل بها، أعدّ العدّة للعمل بين يدي أبي في خدمة كتب التراث العزيز.
ولما تأكد لأبي حسن نيّتي في الإقدام على ولوج عالم التراث، وجّهني نحو خدمة كتاب «النصيحة في الأدعية الصحيحة» للإمام الحافظ عبد الغني المقدسي، ولا تسأل عن السعادة التي غمرتني وأنا أعمل به، فقد شعرت بأن أحلامي قد تحققت مرة واحدة، وقد صدر الكتاب فيما بعد عن مؤسسة الرسالة في بيروت، وبذلك انتقلت إلى مرحلة جديدة في الحياة، مرحلة الانقطاع الكامل إلى العمل في خدمة كتب التراث. ولقد كانت سعادة أبي في انصرافي إلى العمل في خدمة كتب التراث أعظم من سعادتي، وكيف لا يكون سعيدا من يرى ولده الأكبر يسير على الطريق ذاتها التي سار عليها من قبل؟ الأمر الذي يجعله على يقين بأن الراية التي حملها لن تسقط- بإذن الله- من بعده.