للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم عاد في بحر النيل إلى دمياط، واجتمع فيها بعلماء أخيار، منهم الشيخ أحمد البيجوري، وحضر دروسه، وألّف له منسكا جامعا، وحصّل من العلم في البلدتين المذكورتين ما لم يحصّله غيره في مدة طويلة، ثم رجع إلى الشام، وأقام بها حتى قدم سيدي علي بن ميمون من الرّوم إلى حماة سنة إحدى عشرة وتسعمائة، فبعث إليه كتابا يدعوه، فسار إليه مسرعا، وأقام عنده بحماة أربعة أشهر وعشرة أيام كل يوم يزداد علما من الله وهدى، ثم أذن له بالمسير إلى بيروت، فسار إليها وقعد لتربية المريدين، وألّف في مدة إقامته بها أربعة وعشرين كتابا في طريق القوم، فلما بلغ شيخه ذلك تطور عليه، وكتب إليه [١] أن يلقاه بالكتب إلى دمشق، وقدم عليه [٢] شيخه، وهو عند والدته بدمشق في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ونزل بالصالحية، فسار إليه سيدي محمد وتلقاه بالسلام والإكرام، غير أنه استدعاه في ذلك المجلس، وقال له: يا خائن يا كذاب، عمن أخذت هذا القيل والقال، فقال له سيدي محمد: يا سيدي قد أتيناك بالموبقات فافعل فيها ما تشاء، فغسلها سيدي علي ولم يبق منها سوى القواعد والتأديب. ثم لزمه سيدي محمد هو ووالدته وأهله، وسكن بهم عنده بالصالحية، وقدّمه شيخه على بقية جماعته في الإمامة وافتتاح الورد والذكر بالجماعة، وبقي عنده هو وأهله على قدم التجريد، حتى انتقل سيدي على إلى مجدل معوش [٣] ، فسافر معه، وبقي عنده حتى توفي.

وفي سنة ثلاث وعشرين عاد إلى ساحل بيروت، وبنى بها دارا لعياله ورباطا لفقرائه، ثم انتقل إلى غوطة دمشق، ونزل بقرية سقبا، وانقطع بها عنده جماعة، ثم ذهب سيدي محمد بعياله إلى الحجّ ماشيا، سنة أربع وعشرين، وقطن بالمدينة، وتردّد بين الحرمين، مرارا، وحجّ مرات، وقصد بالمدينة للإرشاد والتربية، واشتهر بالولاية بل بالقطبية.

وبالجملة فقد كان في عصره مفردا علما، وإماما في علمي الحقيقة والشريعة مقدّما، وليثا على النّفس قادرا، وغيثا لبقاع الأرض ماطرا.


[١] لفظة «إليه» سقطت من «آ» .
[٢] في «ط» : «على» .
[٣] في «ط» : «مجدل مغوش» .

<<  <  ج: ص:  >  >>