للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمكث أربعين سنة، ثم ترك وصار يضفر الخوص، حتّى مات، وكان يسمّى بين الأولياء النسّابة لكونه أمّيّا، ويعرف نسب بني آدم وجميع الحيوان، وكان معه تصرّف ثلاثة أرباع مصر والربع مع محيسن المجذوب، وكان إذا شاوره أحد لسفر يقول: قل بقلبك عند الخروج من السور أو العمران دستور يا أصحاب النوبة اجعلوني تحت نظركم حتى أرجع، فإنهم يحبون الأدب معهم ولهم اطلاع على من يمرّ في دركهم.

وكان إذا نزل بالناس بلاء لا يتكلم، ولا يأكل ولا يشرب، ولا ينام حتى ينكشف، وله كلام في الطريق كالبحر الزاخر.

ومن كلامه الكمّل لا تصريف لهم بحال بخلاف أرباب الأحوال.

وقال: كل فقير لا يدرك سعادة البقاع وشقاوتها فهو والبهائم سواء.

وقال: إيّاك أن تصغي لقول منكر على أحد من [١] الفقراء فتسقط من عين رعاية الله وتستوجب المقت.

توفي في جمادى الآخرة، ودفن بزاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح من القاهرة. انتهى ملخصا وفيها أبو الحسن محمد بن العارف بالله تعالى أبي العبّاس أحمد الغمري المصري [٢] الشافعي الصوفي الصالح الورع.

قال الشعراوي: جاورت عنده ثلاثين سنة، ما رأيت أحدا من أهل العصر على طريقته في التواضع والزهد وخفض الجناح.

وكان يقول: إذا سمعت أحدا يعدّ ذهبا يضيق صدري.

وكان لا يبيت وعنده دينار ولا درهم، ويعطي السائل ما وجد حتى قميصه.

وكان يخدم في بيته ما دام فيه ويساعد الخدّام بقطع العجين وغسل الأواني، ويقد تحت القدر، ويغرف للفقراء بنفسه.


[١] لفظة «من» سقطت من «ط» .
[٢] ترجمته في «الكواكب السائرة» (٢/ ٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>