للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن أخيه ابن السّفّاح عبد الله، فجهّز إليه أبو جعفر أبا مسلم فهزمه وقبض خزانته وما معه، فكتب إليه أبو جعفر المنصور: احتفظ بما في يديك ولا تضيّعه، فشق ذلك على أبي مسلم وعزم على خلع المنصور، ثم إن المنصور استعطفه ومناه وحفظها له، وقال: لمسلم بن قتيبة الباهليّ: ما ترى في أبي مسلم؟ فقال: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا ٢١: ٢٢ [الأنبياء: ٢٢] . فقال:

حسبك لأذن واعية.

قيل: وقد كان قيل لأبي مسلم، أو رؤي له في الملاحم أنه يميت دولة ويحيي دولة، ويقتل بأرض الرّوم، وكان المنصور برومية، التي بناها الإسكندر ذو القرنين بمدائن كسرى [١] لما طاف الأرض، ولم يجد المنصور برومية منزلا سوى المدائن، فنزلها وبنى فيها رومية، وقدم أبو مسلم من حجّه على المنصور برومية، ولم يخطر بباله أنها مقتله، بل ذهب ذهنه إلى بلاد الرّوم، فدسّ المنصور جماعة خلف سريره وقال لهم: إذا دخل وعاتبته وضربت يدا على يد فأظهروا له واضربوا عنقه، ففعلوا، وأنشد حين رآه طريحا:

زعمت أنّ الكيل لا ينقضي [٢] ... فاستوف بالكيل أبا مجرم

اشرب بكأس كنت تسقي بها ... أمرّ في الحلق من العلقم

واختلف في نسب أبي مسلم، فقيل: من العرب، وقيل: من العجم، وقيل: من الأكراد، وفي ذلك يقول أبو دلامة [٣] :

أبا مجرم ما غيّر الله نعمة ... على عبده حتّى يغيّرها العبد


[١] قلت: وهي اليوم في العراق. انظر «الروض المعطار» للحميري ص (٢٧٦- ٢٧٧) .
[٢] في «وفيات الأعيان» لابن خلّكان (٣/ ١٥٤) : «زعمت أنّ الدّين لا يقتضى» .
[٣] هو زند بن الجون الأسدي، المتوفى سنة (١٦١) هـ. انظر ترجمته في ص (٢٧٣- ٢٧٤) من هذا المجلد.

<<  <  ج: ص:  >  >>