للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غد أرقب مجيئه، فبينا أنا كذلك إذ أقبل غلماني وقالوا: إن الملك قد أقبل، فقمت بين شرفتين من شرف القصر أنظر إليه، فإذا رجل قد لبس بردتين، اتّزر بواحدة [١] وارتدى بالأخرى، حاف راجل، وإذا عشرة معهم الحراب، ثلاثة يقدمونه، وسبعة خلفه، وإذا الرّجل لا يعبأ به، فاستصغرت أمره، وهان عليّ لما رأيته في تلك الحال، فلما قرب من الدّار إذا أنا بسواد عظيم، فقلت:

ما هذا؟ قيل: الخيل، وإذا بها تزيد على عشرة آلاف عنان، فكانت موافاة الخيل إلى الدّار وقت دخوله، فدخل إليّ وقال لترجمانه: أين الرّجل؟ فلما نظر إليّ وثبت إليه، فأعظم ذلك، وأخذ بيدي فقبّلها ووضعها على صدره، وجعل يدفع البساط برجله، فظننت أن ذلك شيئا يجهلونه أن يطأوا على مثله، حتّى انتهى الفرش، فقلت لترجمانه: سبحان الله لم لا يقعد على الموضع الذي وطئ له؟ فقال: قل له: إني ملك وحقّ على كل ملك أن يكون متواضعا لعظمة الله سبحانه إذ رفعه، ثم أقبل ينكت [٢] بإصبعه في الأرض طويلا، ثم رفع رأسه فقال لي: كيف سلبت نعمتكم وزال عنكم هذا الملك وأخذ منكم وأنتم أقرب إلى نبيكم من النّاس جميعا؟ فقلت: جاء من هو أقرب قرابة إلى نبينا- صلّى الله عليه وسلّم- فسلبنا، وطردنا، وقاتلنا، فخرجت إليك مستجيرا بالله ثم بك.

قال: فلم كنتم تشربون الخمر وهو محرّم عليكم في كتابكم؟ فقلت:

فعل ذلك عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا في ملكنا بغير رأينا.

قال: فلم كنتم تركبون على دوابكم بمراكب الذّهب، والفضة، والدّيباج، وقد حرّم عليكم ذلك؟ قلت: عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا مملكتنا ففعلوا.


[١] في المطبوع: «اتزر بإحداهما» .
[٢] في المطبوع: «ينكث» وهو تصحيف. قال ابن منظور: النكت: أن تنكت بقضيب في الأرض فتؤثر بطرفه فيها. «لسان العرب» (نكت) .

<<  <  ج: ص:  >  >>