ينفع الله تعالى به الخاصّة. فأمر معن بن عيسى القزّاز ليقرأه عليه، فلما بدأ ليقرأه قال مالك لهارون: يا أمير المؤمنين! أدركت أهل العلم ببلدنا وإنهم ليحبّون التواضع للعلم، فنزل هارون عن المنصّة، وجلس بين يديه وسمعه، رحمهما الله تعالى.
وقال أبو عبد الله الحميديّ الأندلسيّ: أنشدني والدي أبو طاهر إبراهيم:
إذا قيل من نجم الحديث وأهله ... أشار أولو الألباب يعنون مالكا
إليه تناهى علم دين محمّد ... فوطّأ فيه للرّواة المسالكا
ونظّم بالتصنيف أشتات نشره ... وأوضح ما قد كان لولاه حالكا
وأحيا دروس العلم شرقا ومغربا ... تقدّم في تلك المسالك سالكا
وقد جاء في الآثار من ذاك شاهد ... على أنّه في العلم خصّ بذالكا
فمن كان ذا طعن على علم مالك ... ولم يقتبس من نوره كان هالكا
يشير بقوله، وقد جاء في الآثار إلخ إلى حديث «تضرب الإبل أكبادها إلى عالم المدينة لا ترى أعلم منه» [١] .
وقال الشّافعيّ- رضي الله تعالى عنه-: إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
وقال معن القزّاز وجماعة: حملت بمالك أمّه ثلاث سنين.
وقيل: إنه بكى في مرض موته وقال: والله لوددت أني ضربت في كل مسألة أفتيت بها، وليتني لم أفت بالرّأي.
وتوفي بالمدينة، ودفن بالبقيع عن أربع وثمانين سنة، وقيل: تسعين،
[١] رواه أحمد في «المسند» (٢/ ٢٩٩) ، والترمذي في «سننه» رقم (٢٦٨٢) في العلم، باب ما جاء في عالم المدينة، والحاكم في «المستدرك» (١/ ٩١) ، وحسنة الترمذي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وهو من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة. وابن جريج، وأبو الزبير مدلّسان، وقد روياه بالعنعنة.