للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدّث عتيق بن يعقوب الزّبيديّ قال: قدم هارون الرّشيد المدينة، وكان قد بلغه أن مالك بن أنس عنده «الموطأ» يقرؤه على النّاس، فوجّه إليه البرمكيّ فقال: أقرئه السلام وقل له: يحمل إليّ الكتاب ويقرؤه عليّ، فأتاه البرمكيّ فقال: أقرئه السلام، وقل له: إن العلم يؤتى ولا يأتي، فأتاه البرمكيّ فأخبره، وكان عنده أبو يوسف القاضي، فقال: يا أمير المؤمنين، يبلغ أهل العراق أنك وجّهت إلى مالك في أمر فخالفك، اعزم عليه، فبينما هو كذلك، إذ دخل مالك، فسلّم وجلس، فقال له الرّشيد: يا ابن أبي عامر أبعث إليك وتخالفني؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني الزّهري، عن خارجة بن زيد، عن أبيه قال: كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ من الْمُؤْمِنِينَ ٤: ٩٥ [النساء: ٩٥] وابن أمّ مكتوم عند النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- فقال: يا رسول الله انى رجل ضرير، وقد انزل الله عليك فى فضل الجهاد ما قد علمت، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ادرى» وقلمي رطب ما جف، ثم وقع فخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فخذي، ثم أغمي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم جلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا زيد اكتب غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ٤: ٩٥ [النساء:

٩٥] .

ويا أمير المؤمنين حرف واحد بعث فيه جبريل والملائكة- عليهم السلام- من مسيرة خمسين ألف عام، ألا ينبغي لي أن أعزّه وأجلّه، وإن الله تعالى رفعك وجعلك في هذا الموضع بعملك، فلا تكن أنت أول من يضيع عزّ العلم فيضيع الله عزّك، فقام الرّشيد يمشي مع مالك إلى منزله ليسمع منه «الموطأ» فأجلسه معه على المنصّة، فلما أراد أن يقرأه على مالك، قال [١] :

تقرؤه عليّ. قال: ما قرأته على أحد منذ زمان. قال: فيخرج النّاس عنّي حتّى أقرأه أنا عليك، فقال: إن العلم إذا منع من العامّة لأجل الخاصّة لم


[١] في المطبوع: «قال لي» .

<<  <  ج: ص:  >  >>