للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الموطأ» وكان كثير الانقطاع في الخلوات، شديد الورع، وكذلك أبوه مبارك. روي أنه نظر بستانا لمولاه، فطلب منه رمّانة حامضة، فجاءه بالرّمّانة حلوة، فقال له: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ قال: لا. قال: ولم؟

قال: لأنك لم تأذن لي فيه، فوجده كذلك، وعظم قدره عند مولاه، حتّى كان له بنت خطبت كثيرا، فقال له: يا مبارك من ترى نزوّج هذه البنت؟ فقال:

الجاهلية كانوا يزوّجون للحسب، واليهود للمال، والنصارى للجمال، وهذه الأمّة للدّين، فأعجبه عقله، وقال لأمها: ما لها زوج غيره، فتزوجها، فجاءت بعبد الله، وكان واحد وقته، وفيه يقول القائل:

إذا سار عبد الله من مرو ليلة ... فقد سار منها نورها وجمالها

إذا ذكر الأحبار في كلّ بلدة ... فهم أنجم فيها وأنت هلالها

وقد صنّف في مناقبه. وعدّ بعضهم ما جمع من خصال الخير فوجدها خمسا وعشرين فضيلة، وكان يحجّ عاما، ويغزو عاما، فإذا حجّ قبض نفقة إخوانه، وكتب على كل نفقة اسم صاحبها، وينفق عليهم ذهابا وإيابا من أنفس النفقة، ويشتري لهم الهدايا من مكّة والمدينة، فإذا رجعوا اتخذ سماطا عليه من جفان الفالوذج نحو خمس وعشرين فضلا عن غيره، فيطعم إخوانه، ومن شاء الله، ثم يكسوهم جديدا، ويردّ إلى كلّ منهم نفقته، وذلك أنه كانت له تجارة واسعة.

قال سفيان الثّوري: وددت عمري كله بثلاثة أيام من أيام ابن المبارك.

قيل: مات بهيت- بالكسر- بلد بالعراق [١] منصرفا من غزوة، وقيل:


[١] في الجنوب الأوسط منه الآن، وهي بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار، ذات نخل كثير وخيرات واسعة، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم. وانظر «معجم البلدان» لياقوت (٥/ ٤٢٠- ٤٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>