فإن التأريخ الإسلامي ليس محصورا بما جرى تدوينه من الأحداث في كتب بعض المؤرخين من متقدمين ومحدثين كما يتوهم بعضهم، وإنما يتكون من هذه الفروع الأربعة التي لا يمكن لأحدها أن يغفل إذا أريد للفظة التاريخ أن تكون صحيحة، فليس هناك حدث إلا ووراءه سبب ما، وأحداث التاريخ سببها الرّجال، وأعظم الرّجال في تاريخنا كله بلا شك هو نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي غيّر ببعثته مجرى التاريخ كله، فكانت رسالته الحدّ الفاصل بين عهدين في حياة بني الإنسان على وجه الأرض، عهد سادت فيه القوة الغاشمة، واستعبد فيه القويّ الضعيف، واستغلّ فيه الغنيّ الفقير أبشع استغلال، وعهد عادت فيه الحقوق إلى أهلها، وألغيت فيه عبودية الإنسان للإنسان إلى يوم القيامة، وأصبح فيه الغنيّ والفقير، والقويّ والضعيف، والأبيض والأسود في ميزان الفضل سواء بسواء.
وكذلك الحال، فإن علم الأنساب حفظ لنا الأسماء والألقاب والكنى من الخلط والتحريف والتصحيف والضياع.
وتدوين الحوادث التي مرّت في تاريخنا الإسلامي في بعض الكتب التي اختصّت بذلك- ومنها «شذرات الذهب» - حفظ لنا الصورة الصحيحة التي كان عليها واقع الحال للمسلمين بما فيه من صور مشرقة وأخرى مؤلمة دون أن يضيع منها شيء.
وأما كتب الرّجال فإنها لم تترك لنا صغيرة ولا كبيرة في سير الأعلام المتقدمين إلا وذكرتها، والأهم من ذلك، فقد جعلت هذه الكتب في مقدورنا معرفة الصفات التي كان عليها الرواة للأحداث، والأخبار، والأحاديث، والأمثال، والأشعار، فأصبح بمقدورنا لدى الرجوع إليها معرفة الصادق من الكاذب، والمتقن من المتهاون، والضابط من الواهم، والسليم النيّة من المغرض، فيما يعرض لنا من أسماء أولئك الرواة في كتب التاريخ، والحديث، والأدب.
ولله درّ أولئك الأئمة الأعلام الذين خلّفوا لنا كتب فروع هذا الفن الذي هو من أهم الفنون التي ترتكز عليها حضارتنا العربية الإسلامية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن معظم هؤلاء الأعلام الذين تكلمت عليهم فيما