سبق هم أهم أصحاب المصادر التي نقل عنها «ابن العماد» مباشرة، أو بالواسطة، ومعظمهم اشتغلوا بالحديث النبوي، وصنّفوا فيه مصنفات مشهورة منتشرة، الأمر الذي يجعلني أجزم بأن خير المؤرخين المسلمين من العرب والعجم هم المؤرخون الذين كانت لهم عناية ودراية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجاله، فإن هؤلاء تأثروا بمنهج المحدّثين من المسلمين، الذين اشترطوا لقبول رواية الراوي أن يتمتع بصفات محددة، أهمها أن يكون مسلما، مؤمنا، صادقا، عادلا، ضابطا، متقنا، محتاطا، وإلا فإن روايته تكون موضع الشك والريبة، الأمر الذي يفقدها أهم مقوّمات القبول، فتصبح ضعيفة، بل ومردودة أيضا إذا كان صاحبها ممّن اتّهم بالوضع أو الكذب.
وهذا ما يجعلني أجزم أيضا بأن فنيّ التأريخ والحديث عند علماء المسلمين الثقات يتمتعان بمصطلح أقرب ما يكون إلى التطابق والانصهار في بوتقة واحدة، فقد أثبتت التجربة لي أثناء عملي في خدمة هذا الكتاب، وكتاب «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي من قبل بإشراف والدي حفظه الله، بأن أهل الدراية بالحديث هم الجديرون حقا بتحقيق كتب التاريخ والرّجال، أو الإشراف على تحقيقها والكلام على ما يرد من النصوص الحديثية فيها على أقل تقدير، لأنهم من أعلم الناس بالأسماء، والأنساب، والكنى، والألقاب، وهي من أهم ما يقع فيه التصحيف، والتحريف، والخطأ، والسّقط في كتب التراث.
لذا يجدر بكل من يودّ تحقيق أو طبع أيّ كتاب من كتب التأريخ أو الرجال أن يرجع إلى أحد علماء الحديث المتقنين الثقات- وما أقلّهم في هذا العصر- ليتزوّد منه بالتوجيهات القيّمة التي تجعل كتابه يصدر على أحسن وجه، وأن يوكل إليه الحكم على الأحاديث التي قد ترد في كتابه من جهة الصحة والضعف إن استطاع، لكي يستكمل الكتاب شروط النشرة العلمية المتقنة، وإلا كان الكتاب عرضة لظهور الكثير من الأخطاء والتحريفات فيه، كتلك التي تظهر في معظم الكتب التي تغلب على طبعاتها الصفة التجارية، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى التحقيق والنشر من جديد