الفضل وبقية أولاده، ومن كان منه بسبيل، فحبسوا، واستمر يحيى والفضل في السجن إلى أن ماتا، ولهما قصائد طنّانة تستعطف الرّشيد عليهم لم ينتج منها شيء.
ثم فرّق الرّشيد الكتب من ليلته في جميع البلدان والأعمال في قبض أموالهم وأخذ وكلائهم، ولما أصبح بعث بجثّة جعفر بن يحيى مع جماعة منهم مسرور الخادم وأمرهم بقطعها وصلبها، فقطعت قطعتين، فصلبت قطعة على الجسر الأعلى، وقطعة على الجسر الأسفل، ونصب رأس جعفر على الجسر الأوسط، وأمر الرّشيد بالنداء في جميع البرامكة أن لا أمان لمن آوى أحدا منهم، ومنع النّاس من التقرّب إلى جعفر. فرأى أبا قابوس الرّقاشيّ قائما تحت جذعة يزمزم بشعر يرثيه، فقال له: ما كنت قائلا تحت جذع جعفر؟
قال: أو ينجيني منك الصدق؟ قال: نعم، قال: ترحّمت عليه وقلت:
أمين الله هب فضل بن يحيى ... لنفسك أيّها الملك الهمام
وما طلبي إليك العفو عنه ... وقد قعد الوشاة به وقاموا
أرى سبب الرّضا فيه قويّا ... على الله الزّيادة والتّمام
نذرت عليّ فيه صيام عام ... فإن وجب الرّضا وجب الصّيام
وهذا جعفر بالجسر تمحو ... محاسن وجهه ريح قتام
أقول له وقمت لديه نصبا ... إلى أن كاد يفضحني القيام
أما والله لولا قول واش ... وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا ... كما للنّاس بالرّكن استلام
فما أبصرت مثلك يا بن يحيى ... حسام فلّه السيف الحسام
على اللّذّات في الدّنيا جميعا ... لدولة آل برمك السّلام
فلما سمع هارون الرّشيد ذلك أطرق مليّا واستعبر، ثم قال رجل: أولى جميلا، فقال: جميلا، يا غلام ناد بأمان أبي قابوس، ولا يعارض، ولا