للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال يحيى بن أيوب العابد: سمعت منصور بن عمّار يقول: ما رأيت أغزر دمعا عند الذّكر من ثلاثة: فضيل بن عياض، وأبي عبد الرّحمن الزّاهد، وهارون الرّشيد.

ودخل الإمام الشّافعيّ- رضي الله عنه- على الرّشيد فقال له: عظني، فقال: على شرط رفع الحشمة، وترك الهيبة، وقبول النصيحة. قال: نعم.

قال: اعلم أن من أطال عنان الأمل في الغرّة طوى عنان الحذر في المهلة.

ومن لم يعوّل على طريق النجاة خسر يوم القيامة إذا امتدت إليه [١] يد الندامة. فبكى هارون ووصله بمال جزيل.

ودخل ابن السّمّاك على الرّشيد، فاستسقى الرّشيد ماء، فقال له ابن السّمّاك: بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها؟ قال:

بملكي. قال: لو منعت خروجها بكم كنت تشتريه؟ قال: بملكي. فقال: إن ملكا قيمته شربة ماء لجدير أن لا ينافس فيه.

وكان للرّشيد شعر حسن منه:

ملك الثّلاث الغانيات عناني ... وحللن من قلبي بكلّ مكان

ما لي تطاوعني البريّة كلّها ... وأطيعهنّ وهنّ في عصياني

ما ذاك إلّا أن سلطان الهوى ... وبه قوين أعزّ من سلطاني

وكان نقش خاتم الرّشيد، العظمة والقدرة لله. انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصا.

وقال ابن قتيبة في «المعارف» [٢] : وأفضت الخلافة إلى هارون الرّشيد سنة سبعين ومائة. وبويع له في اليوم الذي توفي فيه موسى ببغداد. وولد له


[١] لفظة «إليه» سقطت من المطبوع.
[٢] ص (٣٨١- ٣٨٣) بتحقيق الدكتور ثروة عكاشة، طبع دار المعارف بمصر، والمؤلف ينقل عنه بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>