للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: والله ما فعلت، إنما سمعت منك كلاما غمّني حين سمعته، فضحك الرّشيد. وقال: إيّاك والقرآن والدّين، ولك ما شئت بعدهما.

وكان للرّشيد فطنة وذكاء.

قال الأصمعيّ: تأخرت عن الرّشيد ثم جئته، فقال: كيف كنت يا أصمعي؟ قلت: بتّ والله بليلة النابغة، فقال: أنا والله هو:

فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة ... من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

فعجبت من ذكائه وفطنته لمّا قصدته.

ودخل الأصمعيّ على الرّشيد ومعه بنيّة له، فقال له الرّشيد: قبّلها، فسكت الأصمعيّ، فقال: قبّل ويلك، فقال الأصمعيّ في نفسه: إن فعلت قتلني، ثم قام فوضع كمّه على رأسها، ثم قبّل. فقال: والله لو أخطأت هذا لضربت عنقك.

وكان الرّشيد- رحمه الله- يحبّ الحديث وأهله، وسمع الحديث من مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الزّهري، وأكثر حديثه عن آبائه. وروى عنه القاضي أبو يوسف، والإمام الشّافعي رضي الله عنهما. ذكر ذلك ابن الجوزي.

ومما رواه الرّشيد عن النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- «عقّوا عن أولادكم فإنها نجاة لهم من كلّ آفة» [١] .

وكان كثير البكاء من خشية الله تعالى، سريع الدمعة عند الذكر، محبّا للمواعظ.


[١] لم أره بهذا اللفظ، والمحفوظ ما رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (٩/ ٣٠١- ٣٠٢) : «عقوا عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>