للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخل عليه منصور بن عمّار، فأدناه، وقرّبه. فقال له منصور:

لتواضعك في شرفك أحبّ إلينا من شرفك. فقال له: يا أبا السّريّ عظني وأوجز، فقال: من عفّ في جماله، وواسى [١] من ماله، وعدل في سلطانه، كتبه الله من الأبرار. وكان طيّب النفس فكها، يحبّ المزح [٢] ويميل إلى أهل العفّة، ويكره المراء في الدّين.

قال عليّ بن صالح: كان مع الرّشيد ابن أبي مريم المديني، وكان مضحاكا، محداثا، فكها، وكان الرّشيد لا يصبر عن محادثته، وكان قد جمع إلى ذلك المعرفة بأخبار أهل الحجاز، ولطائف المجان، فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلا في قصره، وخلطه ببطانته وغلمانه، فجاء ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر، فكشف اللحاف عن ظهره، ثم قال له: كيف أصبحت؟

فقال: يا هذا ما أصبحت بعد، مر إلى عملك. قال: ويلك قم إلى الصّلاة، فقال: هذا وقت صلاة أبي الجارود [٣] وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي، فمضى وتركه نائما، وقام الرّشيد إلى الصّلاة، وأخذ يقرأ في الصلاة الصبح وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ٣٦: ٢٢ [يس: ٢٢] وأرتج عليه [٤] فقال له ابن أبي مريم: لا أدري والله لم لا تعبده. فما تمالك الرّشيد أن ضحك في صلاته، ثم التفت إليه كالمغضب. وقال: يا هذا ما صنعت؟ قطعت عليّ الصّلاة.


[١] في الأصل: «وأوسي» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع.
[٢] في المطبوع: «المزاح» .
[٣] هو زياد بن المنذر الهمذاني، أبو الجارود، رأس «الجارودية» من الزيدية. من أهل الكوفة.
كان من غلاة الشيعة. افترق أصحابه فرقا، وفيهم من كفّر الصحابة بتركهم بيعة عليّ رضي الله عنه بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم. له كتب، منها «التفسير» رواية عن أبي جعفر الباقر. وكان يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على إمامة عليّ بالوصف لا بالتسمية. مات سنة (١٥٠) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (٣/ ٥٥) .
[٤] أي لم يقدر على القراءة، كأنه أطبق عليه كما يرتج الباب. انظر «مختار الصحاح» ص (٢٣٢) «رتج» . (ع) .

<<  <  ج: ص:  >  >>