قال إبراهيم بن المهديّ: بعث إليّ محمد الأمين ليلة وقد خرج إلى قصر لينفرج مما كان فيه، وشرب وسقاني، ودعا جارية اسمها ضعف لتغنّيه، فتطيّر إبراهيم من اسمها فغنّته:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر ذنبا منك ضرّج بالدّم
فتطيّر محمّد وقال: غنّي غير هذا، فغنّت:
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتّى تفانوا وريب الدّهر عدّاء
فغضب وقال: غنّي غير هذا. فغنّت:
«أما وربّ السكون والحركات» الأبيات. فقال: قومي لا بارك الله عليك. فقامت وعثرت بقدح من بلّور كان يسمّيه رباح فكسرته، فقال:
يا إبراهيم أما ترى ما كان؟ ما أظن أمري إلا قد اقترب. قال: بل أعزّ ملكك وكبت [١] عدوّك، فسمعا صارخا من دجلة يقول: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فقال: يا إبراهيم أما تسمع؟ فقال: ما أسمع شيئا وقد كان سمعه، فقتل بعد ليلتين، ومنع طاهر محمدا الأمين ومن معه الماء والدقيق، فهمّ محمد بالخروج إلى هرثمة، فلما بلغ طاهر اشتد عليه وقال: أنا فعلت ما فعلت به ويكون الفتح لهرثمة، وأتى معاقدوه إلى طاهر إلى أن يدفع له الخاتم، والقضيب، والبردة، ويخرج محمد إلى هرثمة، فرضي بذلك، فلما علم الهرش الخبر، تقرّب إلى طاهر، وقال: مكر بك، وقال: إن الخاتم، والبرد، والقضيب، يحمل مع محمد الأمين إلى هرثمة، فاغتاظ وكمّن حول القصر الرّجال، فلما خرج محمد وصار في الحراقة مع هرثمة، خرج طاهر وأصحابه فرموها بالحجارة وغرّقوها، فسبح الأمين وخرج إلى بستان موسى
[١] في الأصل: «وبكت» . قال في «مختار الصحاح» ص (٥٦٠) : كبت الله العدو أي صرفه وأذلّه.