ولقد ظن البعض ممّن لا علم لديهم ولا ثقافة ممّن اقتحموا عالم تحقيق التراث عن غير أهلية، بأن المستشرقين هم الذين سبقوا المسلمين إلى العمل في فن التحقيق. والصواب أن الذي يقوم به معظم المستشرقين من العمل في كتب التراث العربي الإسلامي إنما هو نشر لتلك الكتب، وليس تحقيقا لها، وبين النشر والتحقيق فرق كبير. ولعلّ من أهمّ ما ينبغي أن يتّصف به المحقّق هو فهم اللغة، أو الرجوع إلى المصادر التي تعينه على فهمها في أسوأ الحالات، ومن أين للمستشرق أن يفهم لغة شرع بتعلّمها في العشرين من عمره؟. وما ينبغي التأكيد عليه أخيرا هو أن فن التحقيق فنّ نشأ وترعرع في بلادنا، ووضعت أصوله وفروعه على أيدي علمائنا القدامى رحمهم الله، ولو نظر الباحث في كتب الرجال لوجد الكثير من العلماء موصوفين ب المحققين.