للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تبين بهذه المسائل مراتب التأويل فإِن قوي الاحتمال وقرب جدًا كان مقبولًا جزمًا، وكذا إِن بعد قليلًا إلا أنه اعتضد بقرينة خاصة، فإِن قوى البعد مع وجود القرينة كان فيه خلاف، ومتى ابتعدت القرينة أو بعد الاحتمال جدًا لم يكن للتأويل وجه كقوله غصبت منه شيئًا ثم فسره بنفسه (١) لأن ظاهر اللفظ يقتضي غصب شيء غير نفسه كيف والحر لا تثبت عليه يد. فلا يصح تنزيل اللفظ عليه، وكذا إِذا نوى باللفظ ما لا يحتمله ولا بطريق المجاز مثل أن ينوى بالطلاق الأمر بالأكل ونحوه.

وكذا إِذا حَلفَ بتحليف الحاكم ثم ادعى التورية (٢) في يمينه بأن نوى مكانًا معينًا ونحوه فلا عبرة بذلك لما يؤدى إِليه من إِبطال فائدة الأيمان. فإِن قال (٣) أنت طالق ثلاثًا للسنة ثم قال أردت تفريق الثلاث على الأقراء لم يقبل في الظاهر على الصحيح المنصوص (٤): قال المتولي (٥) إِلا إِذا كان الرجل ممن يعتقد تحريم جمع الثلاث فيقبل منه في الظاهر، ولو لم يقل للسنة ثم فسَّره بتفريق الثلاث على الأقراء


(١) وقد نص عليه الشافعي في الأم ج ٣ ص ٢٤٢.
(٢) التورية: هي أن يريد المتكلم بكلامه خلاف ظاهره أهـ. انظر التعريفات للجرجاني ص ٧١. وهكذا هي في دستور العلماء ج ١ ص ٣٦٤. وقال في لسان العرب ج ٣ ص ٩١١/ ٩١٦ مادة روى: التورية عن الشيء هي: الكناية عنه يقال: وريت بالخبر: جعلته ورائي.
(٣) انظر هذا الفرع في تتمة الإِبانة ج ٨ لوحة ١٤٤. صفحة (أ).
(٤) راجع نص الشافعي على هذا في الأم ج ٥ ص ١٨١. ولم يذكر في الوجيز غيره انظر ج ٢ ص ٥٣. منه.
(٥) انظر التتمة ج ١ ص "أ" لوحة ١٤٤ ونصه: "ولو قال لها أنت طالق ثلاثًا للسنة فادعى أني نويت به ثلاثًا في ثلاثة أقراء"، وأما إِذا كان الرجل ممن يعتقد تحريم جمع الطلاق في وقت واحد فيصدق في الحكم لاعتبار اعتقاده، فإِنه لا يعتقد ارتكاب محظور في دينه أهـ. ممن التتمة مخطط بدار الكتب رقم ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>