أحسب ذلك الأخ وأظنه فيما يظهر لي من حاله أنه كان كذا وكذا؛ أي: موصوفًا بذلك الوصف الذي ظننت فيه من صفات الكمال؛ كالعلم والشجاعة والكرم (و) ليقل أيضًا: (لا أزكي على الله أحدًا) أي: لا أصف أحدًا بصفة التزكية والكمال عند الله تعالى؛ أي: لا أقطع عاقبة أحد عند الله تعالى، ولا أجزم بحكم الله تعالى فيه؛ لأن الله تعالى هو العالم بما في ضميره وسريرته وعاقبة أمره.
ومعنى التزكية: هي تصديق كونه زكي السيرة وكاملها حقيقةً واعتقاد ذلك فيه.
قوله: "إن كان أحدكم مادحًا أخاه ... " إلى آخره؛ ظاهر هذا الكلام: أنه لا ينبغي للإنسان أن يمدح أحدًا ما وجد من ذلك مندوحة، فإن لم يجد بدًا .. مدح بما يعلم فيه من أوصافه وبما يظنه فيه، ويتحرز من الجزم والقطع بشيء من ذلك، بل يتحرز منه بأن يقول:(فيما أحسب أو أظن) ويزيد على ذلك: (ولا أزكي على الله أحدًا) أي: لا أقطع بأنه كذلك عند الله؛ فإن الله تعالى هو المطلع على السرائر، العالم بعواقب الأمور. انتهى من "المفهم".
والمعنى: أنه لا يقطع على عاقبة أحد ولا على ضميره؛ لأن ذلك مغيب عنه، ولكن فليقل: أحسب فلانًا كذا وكذا؛ أي: عالمًا كريمًا إن كان يعلم ذلك المدح من ظاهر حاله.
قال النووي: ذكر مسلم في هذا الباب الأحاديث الواردة في النهي عن المدح، وقد جاءت أحاديث كثيرة في "الصحيحين" بالمدح في الوجه.
قال: وطريق الجمع بينها: أن النهي محمول على المجازفة والإطراء في المدح والزيادة في الأوصاف، أو على من يخاف عليه فتنة من إعجاب وكبر ونحوهما إذا سمع المدح.
وأما من لا يخاف عليه ذلك؛ لكمال تقواه، ورسوخ عقله ومعرفته .. فلا