للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال الشيخ ابن عرفة رحمه الله تعالى: ثم ترقى عن الأفعال إلى منشئ الأفعال، فقال: (وأعوذ بك) أي: أتحصن بذاتك (منك) أي: من عقوبتك مشاهدةً للحق، وغيبةً عن الخلق، وهذا محض المعرفة الذي لا يعبر عنه قولٌ، ولا تضبطه صفة؛ إذ لا يملك أحد معك شيئًا، فلا يعيذه منك إلا أنت الا أحصي ثناء عليك) أي: لا أطيق إحصاءه وضبطَه بالعَدّ، ولا أنتهي إلى غايته ولا أحيط بمعرفته، قال الطيبي: الأصل في الإحصاء: العدُّ بالحصى.

ورُوي عن مالك في معناه: لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك.

(أنت كما أثنيت) (الكاف) فيه بمعنى: الباء، و (ما) موصولة أو موصوفة والجار والمجرور متعلق بالخبر المحذوف؛ تقديره: وأنت يا إلهي موصوف بالثناء الذي أثنيت به (على نفسك) كقوله: نعم المولى، ونعم الوكيل، ونعم النصير.

ومعنى ذلك: اعتراف بالعجز عن أداء وفهم ما يريده الله تعالى من الثناء على نفسه، وبيانُ صمديَّتِه وقدوسيَّتِه وعظمته وكبريائه وجبروته مما لا يُنْتَهى إلى عَدِّه ولا يوصل إلى حده، ولا يحصله عقل، ولا يحيط به فكر، وعند الانتهاء إلى هذا المقام، انتهت معرفة الأنام، ولذلك قال الصديق الأكبر: (العجز عن درك الإدراك إدراك).

قال الخطابي: في هذا الكلام معنىً لطيف؛ وهو أنه قد استعاذ بالله، وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضا والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمؤاخذاة بالعقوبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له؛ وهو الله سبحانه وتعالى .. استعاذ به منه لا غير؛ ومعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>