قوله:(إن الرؤيا الحسنة) أي: الصالحة (من الرجل) وكذا المرأة الصالحة غالبًا (جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) مجازًا لا حقيقة؛ لأن النبوة انقطعت الآن بموته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجزء النبوة لا تكون نبوة؛ كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة.
نعم؛ إن وقعت من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. فهي جزء من علم النبوة؛ لأن النبوة وإن انقطعت .. فعلمها باق، وقول مالك رحمه الله لما سئل: أيعبر الرؤيا كلّ أحد؟ فقال: أَبِالنُّبوَّةِ تَلْعَبُ؟ ! ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة، فلا يلعب بالنبوة.
أجيب عنه: بأنه لَمْ يرد أنَّها نبوة باقية، وإنما أراد: أنَّها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب .. لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم.
وأما وجه كونها ستة وأربعين جزءًا .. فأبدى بعضهم له مناسبة؛ وذلك أن الله أوحى إلى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام ستة أشهر، ثم أوحى إليه بعد ذلك بقية مدة حياته، ونِسْبَتُها إلى الوَحْيِ في المنام جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا؛ لأنه عاش بعد النبوة ثلاثًا وعشرين سنة على الصحيح، فالستة الأشهر نصف سنة، فهي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
وتعقبه الخطابي بأنه قاله على سبيل الظن؛ إذ إنه لَمْ يثبت في ذلك خبر ولا أثر، ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة، لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي كان يوحى إليه فيها منامًا في طول المدة؛ كما ثبتٌ؛ كالرؤيا في أُحد ودخول مكة، وحينئذ: فيتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب، فتبطل القسمة التي ذكرها.