وشرحوه وتفنَّنوا في هذا الباب، حتى صار كلُّ شرحٍ يتيه دلالًا مما أُودع فيه من الفوائد الملاح العذاب، وما زالت شروح الأئمة الأعلام تَبرُزُ لأولي العقول والألباب.
كيف لا؛ وهي مواهب الحميد المجيد، التي تتجلَّى للأنام؛ لإظهار ما أكرم الله به أهل الإسلام، وأنه وحيٌ من العليم العلام.
ومع هذا كله؛ لا زالت شروح هذا الكتاب قاصرةً عن شاوه، لم تبرز جميع مكنوناته ولم توقف الناظر على جميع جواهره ودرره، حتى هيَّأ الله سبحانه وتعالى العلامة المتفنن، الإمام المحدث: محمد الأمين الهرري - حفظه الله تعالى - وخصَّه بهذه المزية، فشرحه شرحًا لم يُسبق إليه، وكما قيل:(مواهب المولى لا تختصُّ بزمنٍ دون زمن).
ورحم الله إمام اللغة العربية أبا عبد الله جمال الدين بن مالك (ت ٦٧٢ هـ) حيث قال في كتاب "التسهيل": (وإذا كانت العلوم مِنَحًا إلهية، ومواهب اختصاصية .. فغير مستبعدٍ أن يدَّخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثيرٍ من المتقدمين، أعاذنا الله من حسدٍ يسدُّ باب الإنصاف، ويصدُّ عن جميل الأوصاف) انتهى.
ولذا قيل:(كم ترك الأول للآخر! ! ).
وإذا كان كتاب "سنن ابن ماجه" متأخر التاريخ عمَّن سبقه من كتب السنن .. فلقد هيأ الله تعالى له من يشرحه شرحًا متكاملًا في آخر الزمن الذي نعيش فيه، فكان هذا الشرح المبارك، الذي سماه مؤلفه بـ:
"مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى حل وفك معاني ومباني سنن ابن ماجه".
من الشروح المباركة المميزة الذي اجتمع فيه من النفائس والفوائد ما لم يجتمع في شرح قبله، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.