ومفهوم هذا النهي: الأمر بملازمة الإيمان، والاعتصام بشرائع الإسلام، والمباعدة عن صنوف الشرك والضلال.
والمعنى: لازموا عقيدة أهل الإيمان، واعملوا بشرائع الإسلام، ولا ترجعوا بعد وفاتي على أعقابكم، وتصيروا كفارًا مستحلين ضرب بعضكم رقاب بعض فتنقلبوا خاسرين مرتدين عن الإسلام.
وقال القرطبي: ومعنى: "لا ترجعوا كفارًا بعدي" أي: لا تَشَبَّهُوا بالكفار في المقاتلة والمقاطعة، وفيه ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم ما سيقع بعده في أمته من الفتن والتقاتل، ويدل أيضًا على قرب وقوع ذلك من زمانه؛ فإنه خاطب بذلك أصحابه، وظاهره أنه أرادهم؛ لأنه بهم أَعْنَى، وعليهم أَحْنَى، ويحتمل غيرُ ذلك. انتهى منه.
وأول ما وقع فيهم ما جرى بينهم يوم الحرة، وفي وقعة الجمل، ولا تزال الفتن مستمرة بينهم إلى فتنة الدجال.
وقال الخطابي: معناه: لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا قتال بعضكم بعضًا. انتهى، وقيل: المراد بالحديث: أهل الردة.
وهذا القول إنما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم النحر إثر قوله:"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... " الحديث، متفق عليه.
ثم قال:"ليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفارًا ... " إلى آخر الحديث، فهو شرح لما تقدم منه صلى الله عليه وسلم في تحريم بعضهم على بعض، ما أقاموا على الإسلام.
قال النووي: قوله: "لا ترجعوا بعدي كفارًا ... " إلى آخره، قيل في معناه سبعة أقوال: