بينهما من المشتبهات؛ بأن تناوله يخرج من الورع، ويقرب إلى تناول الحرام وعلى هذا؛ فقوله:(الحلال بين والحرام بين) اعتذار عن ترك ذكرهما. انتهى "سندي على النسائي".
قال القرطبي: يعني: أن كل واحد منهما مبين بأدلته في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تأصيلًا وتفصيلًا، فمن وقف على ما في كتاب الله والسنة من ذلك .. وجد فيهما أمورًا جلية التحليل، وأمورًا جلية التحريم، وأمورًا مترددة بين التحليل والتحريم؛ وهي التي تتعارض فيها الأدلة، فهي المتشابهات.
وقد اختلف في حكمها: فقيل: مُواقَعَتُهَا حرامٌ؛ لأنها تُوقِعُ في الحرام، وقيل: مكروهةٌ، والورَعُ تركُها، وقيل: لا يقال فيها واحدٌ منهما، والصواب الثاني؛ لأن الشرع قد أخرجها من قسم الحرام، فلا توصف به وهي مما يرتاب فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه أحمد والترمذي والنسائي.
وهذا هو الورع، وقد قال فيها بعض الناس: إنها حلال، ويتورع عنها.
قلت: وليست بعبارة صحيحة؛ لأن أقل مراتب الحلال أن يستوي فعله وتركه، فيكون مباحًا، وما كان كذلك .. لم يتصور فيه الورع من حيث هو متساوي الطرفين؛ فإنه إن ترجح أحد طرفيه على الآخر .. خرج عن كونه مباحًا، وحينئذ يكون تركه راجحًا على فعله، وهو المكروه، أو فعله راجحًا على تركه، وهو المندوب.
فإن قيل: فهذا يؤدي إلى ترك معلوم من الشرع؛ وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وأكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يزهدون في المباح؛ فإنهم رفضوا التنعم بأكل الطيبات من الأطعمة، وبلباس اللين