الفاخر من الملابس، وبسكنى المباني الأنيقة من المساكن، ولا شك في إباحة هذه الأمور، ومع هذا، فآثروا أكل الخشن، ولباس الخشن، وسكنى الطين واللبن، وكل هذا معلوم من حالهم منقول من سيرتهم.
فالجواب: أن تركهم التنعم بالمباح لا بد له من موجب شرعي أوجب ترجيح الترك على الفعل، وحينئذ يلزم عليه خروج المباح عن كونه مباحًا؛ فإن حقيقته التساوي من غير رجحان، فلم يزهدوا في مباح، بل في أمر تركه خير من فعله شرعًا، وهذه حقيقة المكروه، فإذًا؛ إنما زهدوا في مكروه، غير أن المكروه تارة يكرهه الشرع من حيث هو؛ كما كره لحوم السباع، وتارة يكرهه؛ لما يؤدي إليه؛ كما كره القبلة للصائم؛ فإنها تكره؛ لما يخاف منها من فساد الصوم، وتركهم التنعم من هذا القبيل؛ فإنه انكشف لهم من عاقبته ما خافوا على نفوسهم منه مفاسد، إما في الحال؛ كالركون إلى الدنيا، وإما في المآل؛ كالحساب عليه والمطالبة بالشكر وغير ذلك مما ذكر في كتب الزهد.
وعلى هذا؛ فقد ظهر ولاح أنهم لم يزهدوا ولا تورعوا عن مباح، بل عن مكروه؛ خوفًا من الوقوع في الحرام. انتهى من "المفهم".
(فمن اتقى) وتحرز وتورع عن (الشبهات) وابتعد عنها وتركها، وهو بضم الشين والباء؛ والمراد: ترك ما يشتبه كونه حلالًا .. فقد (استبرأ) أي: طلب البراءة من الذم الشرعي والإثم وحصلها (لدينه و) صان (عرضه) وحفظه من وقوع الناس فيه وتعييبهم له (ومن وقع في الشبهات) أي: ارتكب الأمور المشتبهة .. (وقع في الحرام) أي: كان وقوعه فيها؛ كوقوعه في الحرام، حالة