في كثير من الأفعال اللازمة حملها على الأفعال المتعدية، فيعدونها، وفي كثير من الأفعال المتعدية حملها على اللازمة، فتكون لازمة؛ كما حملوا هنا (بدأ) المتعدي على (طرأ) اللازم، فيكون لازمًا؛ كما قالوا: رجع زيد ورجعته وفغر فاه، وفغرفوه، والتضمين في اللسان جائز كثير.
وأنكر بعض مشايخنا همزه، وقال: إنما هو (بدا) بمعنى (ظهر) وفي إنكاره بُعْدٌ من حيث الرواية ومن جهة المعنى؛ لأن المراد: أن الإسلام نشأ في آحاد وقلة، وسيلحقه النقص حتى يصير في آحاد وقلة، و (بدا) بمعنى (ظهر) يبعده عن هذا المعنى، فأما الرواية بالهمز .. فصحيحة النقل عمن يعتمد على علمه وضبطه، وأما المعنى .. فبعيد عن مقصود الحديث، كما قلنا آنفًا.
ويحتمل أن يراد بالحديث: المهاجرون؛ إذ هم الذين تغربوا عن أوطانهم فرارًا بأديانهم، فيكون معناه: أن آخر الزمان تشتد فيه المحن على المسلمين، فيفرون بأديانهم، ويغتربون عن أوطاونهم؛ كما فعل المهاجرون، وقد ورد في الحديث:(قيل: يا رسول الله؛ من الغرباء؟ قال: هم النزاع) بضم النون وتشديد الزاي (من القبائل) إشارة إلى هذا المعنى، والله أعلم.
ولذلك قال الهروي: أراد بذلك: المهاجرين؛ لأنهم تغربوا عن أهليهم لله ورسوله.
والنزاع - جمع نزيع أو نازع - وهو الذي نزع عن أهله وعشيرته وبعد عن ذلك، ولكن ظاهر الحديث العموم، والأولى حمله عليه وعدم القصر على المهاجرين.
قوله:(فطوبى للغرباء) وقد مر تفسير هذا في الحديث، ومن حيث اللغة آنفًا، فهو جمع غريب؛ وهو من بعد عن أهله وعشيرته وماله.