وإنما يأتي الشر من قبل إفراط الأكل منه، فكذلك المفرط في جمع المال من غير حله، أو من الحلال المشغل عن حاله، يكثر في التنعم بماله، من غير تأمل في مآله، فيقسو قلبه من كثرة الأكل، فيورث الأخلاق الدنية، فيتكبر ويتجبر ويحقر الناس، ويمنع ذا الحق حقه منها، فحيث آل مآل المال لهلاكه في الدنيا، ولعذابه في العقبى .. يصير سبب الوبال، وشدة النكال، وسوء الحال؛ كذا في المرقاة.
وأشار إلى المثل الثاني؛ أعني: مثل المقتصد بقوله: (إلَّا آكلة الخضر) بمد همزة (آكلة) وكسر الكاف، والخضر - بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة للأكثر - وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية، واحده خضرة؛ أي: إلَّا الماشية تأكل الخضر؛ وهي البقول التي ترعاها المواشي، قال السندي: والاستثناء منقطع؛ أي: لكن آكلة الخضر تنتفع بأكلها، فكأنها أخذت الكلأ على الوجه الذي ينبغي، وقيل: مفرغ في الإثبات؛ أي: تقتل كلّ آكلة إلَّا آكلة الخضر، والله تعالى أعلم.
قال القاضي عياض: هو عند الجمهور استثناء، ورواه بعضهم بفتح الهمزة وتخفيف اللام؛ على الاستفتاح؛ أي: انظروا آكلة الخضر وما كان منها. انتهى "أبي".
أي: إلَّا آكلة الخضر التي (أكلت) منها ورعت فيها (حتى إذا امتلأت) شبعًا وفي رواية: (امتدت) وعظمت (خاصرتاها) أي: جنباها، تثنية خاصرة - بخاء معجمة وصاد مهملة - وهما جانبا البطن من الحيوان .. (استقبلت الشمس) أي: بركت مستقبلةً إليها تستمرئ بذلك ما أكلت؛ أي: حتى إذا شبعت .. تركت الأكل، ولم تأكل ما فوق طاقة كرشها حتى