المذنب أو يشرب معه .. ما رأى منه من وقوعه على الذَّنْب في الأمس، بل كان الناهي صاحب ذلك المذنب في الأكل والشرب معه؛ كأنه رضي ما وقع منه من الذَّنْب في الأمس.
ولفظ أبي داوود: إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل، فيقول؛ يا هذا؛ اتق الله، ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه وقعيده.
(فضرب الله قلوب بعضهم ببعض) قال القاري في "المرقاة"(٨/ ٨٨٥): أي: خلط قلوب بعضهم ببعض، يقال: ضَرَب اللبنَ بعضَه ببعضٍ؛ أي: خلطه، ذكره الراغب، وقال ابن الملك: الباء للسببية؛ أي: سوَّد الله قَلْبَ مَنْ لَمْ يعص بشُؤْمِ مَنْ عصَي، فصارت قلوبُ جميعِهم قاسيةً بعيدةً عن قبول الحق والخيرِ أو الرحمة بسببِ المعاصي، ومخالطةِ بعضهِم بعضًا. انتهى.
قوله:(قَلْبَ مَنْ لَمْ يعص) ليس على إطلاقه؛ لأن مؤاكلتهم ومشاربتهم من غير إكراه وإلجاء بعد انتهائهم عن معاصيهم .. معصيةٌ ظاهرةٌ؛ لأن مقتضَى البُغْضِ في الله أن يَبْعدُوا عنهم، ويُهاجِرُوهم ويُقاطِعُوهم ولم يُواصِلُوهم.
(ونزل فيهم القرآن فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ... })(١).
وقال السندي: قوله: (فضربَ اللهُ) أي: جَعلَ قلوبَ الذين تركوا النَّهْيَ والإنكارَ مِثْلَ قلوبِ من ارتكبوا المُنْكَر (على لسان داوود) بأَنْ دعا عليهم فمُسِخوا قردة؛ وهم أصحاب أَيْلَةَ (وعيسى ابن مريم) بأن دعا عليهم فمُسخوا