قلت: في الأمانة أقوال ذكرها المفسرون وشراح الحديث، وعندي أن المراد: ما يصح به تكليف الإنسان بالإيمان والإيمانيات؛ وهي الصلاحية الفطرية التي بها يستعد العبد لقبول الطاعات، والاحتراز عن المعاصي، وهذه هي الأمانة المودعة في قلوب بني آدم، وهي بالنسبة إلى الإيمان الشرعي بمنزلة تخوم الزروع وحبوب الأشجار المودعة في بطون الأرض.
وأما القرآن والسنة .. فمثلهما كمثل الغيث النازل من السماء إلى الأرض، فالأرض الطيبة إذا أصابها الغيث .. يخرج نباتها بإذن ربها، والتي خبثت .. لا يخرج إلَّا نكدًا، بل ربما تضيع التخم أيضًا.
(قال) علي بن محمد: (الطنافسي: يعني) النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو الراوي أو شيخي وكيع بقوله: (في جذر قلوب ... ): (وسط قلوب الرجال) - بفتح الواو وسكون السين - أي: نزلت الأمانة في وسط قلوب الرجال لا في أطرافها، وهو بمعنى الجذر؛ والمراد: في وسط الناس؛ لأنه أعم من الرجال والنساء.
ويحتمل أن يكون المراد: الرجال بخصوصهم؛ لقلة الأمانة في النساء في الأصل؛ والمعنى: أن الأمانة أول ما نزلت في قلوب الرجال، واستولت عليها، فكانت من الباعثة على الأخذ بالكتاب والسنة.
ومعنى إنزال الأمانة في القلوب: أن الله تعالى جبل القلوب الكاملة على القيام بحق الأمانة؛ من حفظها واحترامها وأدائها لمستحقها، وعلى النفرة من الخيانة فيها؛ لتنتظم المصالح بذلك. انتهى "كوكب".
وقال الأبي: ونزولها في أصل قلوب الرجال كناية عن خلق الله تعالى في تلك القلوب قابلية التزام حفظها، والقيام بها، فلما نزل القرآن والسنة .. عمل بمقتضاها من خلقت فيه تلك القابلية.