وعلى هذا المعنى: يكون الجار والمجرور في قوله: (كجمر) خبرًا لمبتدأ محذوف؛ كما قدرناه آنفًا.
وقوله:(كجمر) في "القاموس": الجمرةُ: النار المتقدةُ، تجمع على جَمَرٍ؛ كثَمرةٍ وثمرٍ، والحصاةُ؛ وهو المراد هنا؛ بدليل ما بعده من قوله:(ثم أخذ كفًّا من حصىً ... ) إلى آخره.
وقوله:(دحرجته) يقال: دحرجه دحرجة ودِحراجًا فتدحرج؛ أي: تتابع في حُدُورٍ وهبوطٍ من علو إلى سفل؛ والمُدَحْرَجُ: المدوَّرُ؛ والدُّحْرُوجَةُ: ما يُدَحْرِجُهُ الجُعَلُ من بنادق الروث أو الغائط. انتهى.
والمعنى: كحصىً دحرجته وأسقطته على ظهر قدمك، فأثر فيه، فترى أثره منتفخًا مرتفعًا، ليس فيه شيءٍ من ماء ولا لحم.
قوله:(فتنفط فتراه منتبرًا): تذكير الفعل المسند إلى الرجل، وكذا تذكير الضمير في قوله:(فتراه منتبرًا) مع أن الرجل مؤنثة بالنظر إلى كونها بمعنى العضو؛ كما في "النووي" والانتبار: هو التورم والانتفاخ، وكل مرتفعٍ مُنتبرٌ، ومنه: اشتق المنبر.
وعبارة "المفهم" هنا: قوله: (منتبرًا) أي: منتفخًا؛ من الانتبار؛ وهو الارتفاع، ومنه: انتبر الأمير؛ إذا صعد على المنبر، وبه سمي المنبر؛ لارتفاعه.
ونبَر الجرحُ؛ أي: وَرِمَ؛ والنَّبْرُ: نوع من الذباب يَلْسَعُ الإبلَ فيَرِمُ مكانُ لَسْعِه، وكل شيء ارتفع .. فقد نبَرَ، وقال أبو عبيد:(منتبرًا) متنفطًا.
(ثم أخذ حذيفة) رضي الله تعالى عنه (كفًّا من حصىً) وفي رواية مسلم: (ثم أخذ حصىً) من الحصيات؛ بإسقاط (كفًّا)، وفي بعض الأصول:(ثم أخذ حصاةً فدحرجها) بإفراد لفظ: (الحصاة) وهو صحيح.