يعني: ينبغي أن ينفق ساعاته وأوقاته في الغنى الحقيقي؛ وهو طلب الكمالات؛ ليزيد غنىً بعد غنىً، لا في المال؛ لأنه فقر بعد فقر.
قلت: يعني: أن الفقر هو الحاجة، ومهما زاد شيئًا من المال أو الرياسة .. احتاج لحفظ ذلك، وعَظُم خوفُه من زواله، هذا في الدنيا، واحتاج إلى استعداد عظيم، وقيام بحقوق ذلك؛ لأجل الآخرة، فاستبان أن الفقر يكثر بكثرة عرَض الدنيا، ويقل بقلتها. انتهى من "السنوسي".
قال ابن بطال: معنى الحديث: ليس حقيقةُ الغنى كثرة المال؛ لأن كثيرًا ممن وسع الله عليه في المال لا يَقْنَع بما أوتي؛ فهو يجتهد في الازدياد، ولا يُبالي مِن أَين يأتيه، فكأنه فقير؛ لشدة حرصه، وإنما حقيقة الغنى .. غنى النفس؛ وهو غنى من استغنى بما أوتي، وقنع به ورضي، ولم يحرص على الازدياد ولا ألح في الطلب، فكأنه غني.
وقال القرطبي: ومعنى هذا الحديث: أن الغِنى النافعَ أو العظيمَ أو الممدوحَ هو غنى النفس؛ وبيانهُ: أنه إذا استغنَتْ نفسُه .. كفَّتْ عن المطامع، فعزَّتْ وعظُمت فجُعِلَ لها من الحُظْوةِ والنَّزاهةِ والتشريف والمدح .. أَكْثَرُ مِمن كان غنيًّا بماله، فقيرًا بحرصه وشرهه؛ فإن ذلك يُورِّطُه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال؛ لبخله ودناءة همته، فيكثر ذَامُّه من الناس، ويصغَّر قدرُه فيهم، فيكون أحقرَ مِن كل حقير، وأذلَّ من كل ذليل. انتهى من "المفهم".
والحاصل: أن المُتَّصف بغنى النفس يكون قانعًا بما رزقه الله تعالى، لا يحرص على الازدياد لغير حاجة، ولا يُلِحُّ في الطلب، ولا يُلْحِفُ في السؤال، بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واجدٌ أبدًا، والمتصف بفقر النفس على الضد منه؛ لكونه لا يقنع بما أعطي، بل هو أبدًا في طلب الازدياد من أي وجه أمكنه،