أي: فسلط ذلك الرجل (على هَلَكَتِهِ) أي: على هلاك ذلك المال وإنفاقه (في) سبيل (الحق) والخير، والهلكة - بالتحريك - بمعنى الإهلاك والإعدام والإنفاق؛ أي: على إنفاق ذلك المال وصرفه في مصارف الخير، من المحتاجين ومصالح المسلمين آناء الليل والنهار.
وفي التعبير بالهلكة مبالغة؛ لأنه يدل على أنه لا يُبقي من ذلك المال بقية، ولما أوهم الإسراف والتبذير .. أزاله (بالحق) كما قيل: لا سرف في الخير كما لا خير في السرف. انتهى "مرقاة".
(و) ثانيتهما: خصلة (رجل) معطوف على رجل الأول؛ ففيه وجهان: الرفع والجر، أي: وثانيتهما: خصلة رجل (آتاه الله) أي: أعطاه الله سبحانه وتعالى (حكمة) أي: علمًا نافعًا (فهو) أي: فذلك الرجل (يقضي بها) أي: يحكم بها؛ أي: بتلك الحكمة بين الناس فيما إذا كان قاضيًا (ويعلمها) أي: ويعلم تلك الحكمة الناس فيما إذا كان معلمًا أو مفتيًا.
قال النووي: والحكمة: ما منع من الجهل وزجر عن القبيح، ومعنى:(يقضي بها) أي: يعمل بها ويعلمها الناس احتسابًا. انتهى منه.
قيل: إن في هذا الحديث تخصيصًا لإباحة نوع من الحسد، وإن كانت جملته محظورًا، وإنما رخص فيه؛ لما يتضمن مصلحةً في الدين، قال أبو تمام:
ومَا حَاسِدٌ فِي المَكْرُمَاتِ بِحَاسِدِ
وكما رخص في الكذب إذا تضمن فائدةً هي فوق آفة الكذب.
وقال في "شرح المشكاة": أَثْبتَ الحسد لإِرادة المبالغة في تحصيلِ النعمتينِ الخطيرتَين؛ يعني: ولو حصلتا بهذا الطريق المذموم .. فينبغي أن يتحرَّى ويجتهد في تحصيلهما، فكيف بالطريق المحمود، لا سيما وكُلُّ واحدة من