أي: يقبل الله توبة من تاب إليه من حرصه؛ فإنه في موضع إلا من عصمه الله تعالى، أفاده ابن الملك.
وقال النووي: معناه: أن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من التائب عن حرصه المذموم، وعن غيره من المذمومات.
وفي بعض الروايات المذكورة في مسلم:(ولن يملأ فاه) وفي أخرى: (ولا يملأ نفس ابن آدم) قال الكرماني: ليس الحقيقة في عضو بعينه؛ بقرينة عدم الانحصار في التراب؛ إذ غيره يملؤه أيضًا، بل هو كناية عن الموت؛ لأنه مستلزم للامتلاء؛ لأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت.
فالغرض من العبارات كلها واحد؛ وهي من التفنن في العبارة.
قلت: وهذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت .. فهو من تصرف الرواة، كذا في "الفتح".
قوله:"إلا التراب" أي: تراب قبره؛ ففيه تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ على أنَّ البُخْلَ المورث للحرص مركوز في جملة الإنسان.
قال الحافظ: ويحتمل أن تكون الحكمة في ذكر التراب دون غيره: أن المرء لا ينقضي طمعه حتى يموت، فإذا مات كان من شأنه أن يدفن، فإذا دفن .. صُبَّ عليه التراب، فملأ جوفه وفاه وعينيه، ولم يبق منه موضع يحتاج إلى تراب غيره، وأما بالنسبة إلى الفم .. فلكونه الطريق في الوصول إلى الجوف.
قوله:"ويتوب الله على من تاب" أي: إن الله يقبل التوبة من الحريص؛ كما يقبلها من غيره.
قيل: وفيه إشارة إلى ذم الاستكثار من جمع المال، وتمني ذلك، والحرص عليه؛ للإشارة إلى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب.