المسلمين، فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام، وبما عمل بعد إظهارها؛ لأنه مستمر على كفره، وهذا المعنى معروف في استعمال الشرع؛ يقولون: حسن إسلام فلان؛ إذا دخل فيه حقيقة بإخلاص، وساء إسلامه أو لم يحسن إسلامه؛ إذا لم يكن كذلك، بل يستحق صاحبه أشد العذاب، قال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ... } الآية (١). انتهى منه.
وعبارة القرطبي هنا: قوله: "أما من أحسن منكم في الإسلام .. فلا يؤاخذ بها ... " إلى آخره .. يعني بالإحسان: تصحيح الدخول في دين الإسلام، والإخلاص فيه والدوام على ذلك من غير تبديل ولا ارتداد، والإساءة المذكورة في هذا الحديث في مقابلة هذا الإحسان .. هي الكفر والنفاق، ولا يصح أن يراد بالإساءة هنا: ارتكاب سيئة ومعصية؛ لأنه يلزم عليه ألا يهدم الإسلام ما قبله من الآثام إلا لمن عصم عن جميع السيئات إلى الموت، وهو باطل قطعًا، فتعين ما قلناه.
والمؤاخذة هنا: هي العقاب على ما فعله من السيئات في الجاهلية وفي حال الإسلام وهو المعبر عنه في الرواية الأخرى بقوله: (أخذ بالأول والآخر) وإنما كان كذلك؛ لأن إسلامه لما لم يكن صحيحًا ولا خالصًا لله تعالى .. لم يهدم شيئًا مما سبق، ثم انضاف إلى ذلك إثم نفاقه وسيئاته التي عملها في حال الإسلام، فاستحق العقوبة عليها، ومن هنا استحق المنافقون أن يكونوا في الدرك الأسفل من النار؛ كما قال تعالى، ويستفاد منه: أن الكفار مخاطبون بالفروع. انتهى منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب استتابة المرتدين،