(تذكر الجنة والنار ولا تبكي) عند ذكرهما؛ اشتياقًا إلى الجنة وخوفًا من النار (وتبكي من هذا) أي: من القبر؛ أي: من أجل خوفه، قيل: إنما كان عثمان يبكي عند القبر، وإن كان من جملة المشهود لهم بالجنة؛ لأنه لا يلزم من التبشير بالجنة عدم عذاب القبر، بل ولا عدم عذاب النار مطلقًا، مع احتمال أن يكون التبشير مقيدًا بقيد معلوم أو مبهم.
ويحتمل أن ينسى البشارة حينئذٍ؛ لشدة الفظاعة، ويمكن أن يكون خوفًا من ضغطة القبر؛ كما يدل عليه حديث سعد الدال على أنه لم يخلص منه كل سعيد إلا الأنبياء، ذكره القاري في "المرقاة"(١/ ٣٥٥).
(قال) عثمان: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن القبر أول منازل الآخرة) أي: فهو أقرب شيء إلى الإنسان، ومنها: عرصة القيامة عند العرض، ومنها: الوقوف عند الميزان، ومنها: المرور على الصراط، ومنها: الجنة والنار.
(فإن نجا منه) أي: من عذاب القبر .. (فما بعده) من المنازل (أيسر منه) أي: أسهل من عذاب القبر وأهون؛ لأنه يفسح للناجي من عذاب القبر في قبره مد بصره، وينور له ويفرش له من بسط الجنة، ويلبس من حللها، ويفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، وكل هذه الأمور مقدمة لتيسير بقية منازل الآخرة (وإن لم ينج منه) أي: من عذاب القبر .. (فما بعده أشد منه) فشدته أمارة للشدائد كلها.
قوله:(وإن لم ينج منه) أي: لم يخلص من عذاب القبر، ولم تُكَفَّر ذنوبه