قال الأبي: سؤاله عن ذلك يُحتمل أنه لحفظ تاريخ أيهما أقدم، والأظهر أنه لبيان فضيلته على المسجد الأقصى؛ لأن التقدم في البناء لا أثر به إلا أن يقال: والتقدم بالزمان أيضًا أحد موجبات الشرف، والحديث على الأول موافق لقوله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاس}(١)؛ لأنهم ذكروا في التفسير أن البيت خُلق قبل السماوات والأرض، وأنها كانت زبدًا في الماء، ثم دُحيت الأرض من تحتها، ولذا سُميت مكة أم القرى، وكون مسجد الأقصى بعدها بأربعين يُحتمل أنه كان كذلك في علم الله تعالى، ولا يُستشكل كون ما بينهما أربعين بأن البيت بناه إبراهيم عليه السلام وسليمان عليه السلام بنى المسجد الأقصى، وبينهما من مئي السنين ما عُلم؛ لأن بناءهما إنما كان تجديدًا لما تقدم، لا ابتكارًا للبناء، ولا يُستشكل الثاني بأن يقال: التفضيل راجع لحكم الله تعالى، وحكمه تعالى لا يتقيد بزمان؛ لأنا نقول: التقييد بالزمان إنما لظهور متعلق الحكم، لا للحكم، والمسجد الحرام هو ما دار بالبيت، وليست الكعبة منه؛ لأنها ليست محل الصلاة، بل يُصلى إليها. انتهى منه.
وكلمة (ثم) في قوله: (ثم الأرض لك مصلىً) للترتيب الذكري أو الإخباري، لا للمعنوي؛ أي: ثم بعدما أجبت لك عن سؤالك أقول لك: الأرض كلها مصلىً؛ أي: موضع صلاة لك ومسجد لك ما دامت على الحالة الأصلية التي خُلقت عليها، وأما إذا تنجست .. فلا، (فـ) إذا دخل عليك وقت الصلاة .. فـ (صلِّ حيثما) أي: في أي مكان (أدركتك) أي: لحقتك (الصلاة) أي: دخل عليك وقتها في ذلك المكان، قال السندي: ذكره لبيان أنه لا يؤخر الصلاة لإدراك فضل هذه المساجد. انتهى.