تقديره: أي نقني من الخطايا تنقية مثل تنقية الثوب الأبيض من الدنس، وهذا مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها، وشبه بالثوب الأبيض دون غيره؛ لأن الدنس فيه أظهر من غيره من الألوان، والمعنى: طهرني طهارة كاملة معتنىً بها، كما يعتنى بتنقية الثوب الأبيض من الوسخ، وقال ملا على: وفيه إيماء إلى أن القلب بمقتضى أصل الفطرة سليم ونظيف وأبيض وظريف، وإنما يسود بارتكاب الذنوب وبالتخلق بالعيوب.
(اللهم؛ اغسلني) أي: طهرني بأتم وجه وأوكده (من خطاياي بالماء والثلج) بسكون اللام (والبرد) -بفتحتين- وهو حب الغمام، قال الخطابي: ذكر الثلج والبرد تأكيدًا، أو لأنهما ماءان لم تمسهما الأيدي، ولم يمتهنهما الاستعمال، قال ابن دقيق العيد: عبر بذلك عن غاية المحو؛ فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية يكون في غاية النقاء، قال: ويحتمل أن يكون المراد: أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو، وكأنه كقوله تعالى:{وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا}(١)، وأشار الطيبي بحثًا إلى هذا، فقال: يمكن أن يكون المطلوب من ذكر الثلج والبرد بعد الماء شمول أنواع الرحمة والمغفرة بعد العفو؛ لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة، ومنه قولهم:(برَّد الله مضجعه) أي: رحمه ووقاه عذاب النار. انتهى، ويؤيده ورود وصف الماء بالبرودة في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند مسلم، وكأنه جعل الخطايا بمنزلة جهنم؛ لكونها مسببة عنهما، فعبر عن إطفاء حرارتها بالغسل، وبالغ فيه باستعمال المبردات؛ ترقيًا من الماء إلى أبرد منه، قاله الحافظ في "الفتح".