وفي الحديث الندب إلى السترة بين يدي المصلي، وبيان أن أقلّ السترة مؤخرة الرحل؛ وهو قدر عظم الذراع؛ وهو نحو ثلثي ذراع، ويحصل الستر بأي شيء بين يديه، هكذا قال أصحابنا، وينبغي له أن يدنو من السترة، ولا يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع، فإن لَمْ يجد عصًا ونحوها .. جمع أحجارًا أو ترابًا أو متاعه، ولو كان فيه مصحف، أما وضع المصحف ونحوه ككتب حديث أو علم شرعي مجردًا عن المتاع، ليكون سترة له .. فلا يجوز؛ لما فيه من إهانة كتاب الله سبحانه وسنة رسوله بجعله هدفأ، وإن لَمْ يجد شيئًا يقيمه بين يديه .. فليبسط مصلىً، وإلا .. فليخط خطًا طولًا على جانبيه أو عرضًا قدامه على قدر ثلاثة أذرع من مقامه، وإذا صلى إلى سترة .. منع غيره من المرور بينه وبينها، وكذا يمنع من المرور بينه وبين الخط، وكذا بينه وبين رأس السجادة؛ أي موضع سجوده منها، ويحرم على غيره المرور بينه وبين السترة، إذا لَمْ يصل في الشوارع، أو في المطاف، أو في المسجد الحرام وقت شدة الزحام كأيام الموسم ولم يجد المار منفذًا لمروره، فلو لَمْ تكن سترة أو تباعد عنها .. فقيل: له منعه، والأصح أنه ليس له المنع؛ لتقصيره، ولا يحرم حينئذ المرور بين يديه، لكن يكره إذا وجد منفذًا، ولو وجد الداخل فرجة في الصف الأول .. فله أن يمر بين يدي الصف الثاني، ويقف فيها؛ لتقصير أهل الصف الثاني بتركها، والمستحب أن يجعل السترة عن يمينه أو شماله ولا يصمد لها، والله أعلم. انتهى "نووي" مع بعض زيادة.
وفي "تحفة الأحوذي": قوله: (مثل مؤخرة الرحل) هو العود الذي يستند إليه راكب الرحل، وفي المؤخرة لغات؛ ضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء، حكاها أبو عبيد وأنكرها يعقوب، وفتح الهمزة والخاء معًا مع تشديد