لا بهما معًا؛ لأن في أحدهما كفاية ولا يقاتل المار، وما ورد في ذلك فمؤول بأن جواز ذلك كان في أول الإسلام، والعمل المنافي للصلاة مباح فيها إذ ذاك، وقد نسخ ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الصلاة لشغلًا". انتهى من الدهني على مسلم.
(فإنه شيطان) أي: مطيع له فيما يفعله من المرور قوله: (فإنه) أي: فإن ذلك المار (شيطان) قال القاضي: قيل: معناه إنما حمله على مروره وامتناعه من الرجوع الشيطان، وقيل: معناه إنما عمله عمل الشيطان؛ لأن الشيطان بعيد من الخير وقبول السنة، وقيل: المراد بالشيطان القرين، كما جاء في الحديث الآخر: "فإن معه القرين".
قال النووي: وهذا الأمر بالدفع أمر ندب وإرشاد، وهو ندب متأكد، ولا أعلم أحدًا من العلماء أوجبه، بل صرح أصحابنا وغيرهم بأنه مندوب غير واجب، قال القاضي عياض: وأجمعوا على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا بما يؤدي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز، فهلك من ذلك .. فلا قود عليه باتفاق العلماء، وهل تجب ديته أو يكون هدرًا؟ فيه مذهبان للعلماء، وهما قولان في مذهب مالك رحمه الله.
قال: واتفقوا على أن هذا كله لمن لَمْ يفرط في حلاته، بل احتاط وصلى إلى سترة، أو في مكان يأمن فيه من المرور بين يديه، فإن صلى في مكان لا يأمن فيه من المرور بين يديه كالمطاف في الحرم، أو في محل الازدحام كالمسجد الحرام ونحوه في الموسم .. فتحرم صلاته؛ كما في المطاف وتكره، ولا يجوز له دفع المار حينئذ؛ لأنه كمن صلى في شوارع المارة في وقت مرورهم، ويدل على ذلك قوله في حديث أبي سعيد في الرواية الآتية بعد هذه: