لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه يتعدى، فأعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ليس الأمر كذلك، وإنما الله سبحانه هو الذي يمرض وينزل الداء، ولهذا قال في بعض الأحاديث: فمن أعدى البعير الأول؟ أي: من أين صار فيه الجرب. انتهى منه.
وقال السندي: وهو يحتمل أن المراد به نفي ذلك وإبطاله من أصله، وعلى هذا فما جاء من الأمر بالفرار من المجذوم ونحوه .. فهو من باب سد الذرائع؛ لئلا يتفق الشخص يخالط مريضًا، فيمرضه الله تعالى مثل مرضه بتقدير الله سبحانه وتعالى ابتداءً لا بالعدوى المنفية، فيظن أن ذلك بسبب مخالطته، فيعتقد صحة العدوى، فيقع في الحرج، ويحتمل أن المراد: نفي التأثير وبيان أن مجاورة المريض من الأسباب العادية لا هي مؤثرة، كما يعتقده أهل الطبيعة، وعلى هذا فالأمر بالفرار وغيره ظاهره من الأسباب العادية.
(ولا طيرة) -بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن-: وهو التشاؤم بالشيء والتقابح به، وهو مصدر سماعي لتطير، يقال: تطير طيرة، وتخير خيرة، ولم يجيء من المصادر هكذا غيرهما، وأصله -فيما يقال- أنهم كانوا في الجاهلية إذا خرجوا لحاجة .. فإن رأوا الطير طار عن يمينهم، أو الظباء يمر على يمينهم .. فرحوا به واستمروا في حاجتهم، وإن طار عن يسارهم .. تشاءموا به ورجعوا، وربما هيجوا الطير لتطير، فيعتمدوا على ذلك، فكان يصدهم ذلك عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، ونهى عنه وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع أو دفع ضر.
قال البوصيري: والطيرة منشؤها عيافة الطير وزجرها، فإن طارت باتجاه