لا يصح الطواف في المسعئ وفي ما على إزائه، ولا يصح تفسير المسجد الحرام بمساجد حرم مكة كلها؛ لأنه يلزم عليه تفضيل مساجد حرم مكة على المسجد النبوي، ولا يقول بذلك من له بصيرة؛ لأن تفضيل مساجد حرم مكة وتفضيل مساجد حرم المدينة على سائر بقاع الأرض لم يرد به نص، وإن ورد تفضيل الحرمين على سائر بقاع الأرض، وإنما ورد النص في تفضيل المساجد الثلاثة ومسجد قباء لا غير، وإنما فضل المسجد الحرام؛ لأنه أول مسجد وضع في الأرض، ولأنه قبلة المساجد كلها.
وإنما فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على المسجد الأقصى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وخاتمهم، وكما فضل هو على الأنبياء، فضل مسجده على سائر مساجد الأنبياء؛ لأن مسجده آخر المساجد المنسوبة إلى الأنبياء، قال القاضي عياض: وهذا ظاهر في تفضيل مسجده صلى الله عليه وسلم لهذه العلة، قال القرطبي: لأن ربط الكلام بهذا التعليل يشير بأن مسجده صلى الله عليه وسلم إنما فُضِّل على المساجد كلها؛ لأنه متأخر عنها، ومنسوب إلى نبي متأخر عن الأنبياء كلهم، فتدبره إنه واضح.
فقد روي ذلك مرفوعًا عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ بسنده في "صحيح مسلم" أنه قال: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني آخر الأنبياء، وإن مسجدي هذا آخر المساجد" المنسوبة إلى الأنبياء كمسجد الحرام المنسوب إلى إبراهيم وإسماعيل، والمسجد الأقصى المنسوب إلى يعقوب وبنيه؛ لأنه أول من بناه بعد بناء إبراهيم وإسماعيل الكعبة بأربعين سنة، ثم جدده وزخرفه سليمان بن