وما تأخر)، وفي حديث عائشة:(لم تصنع هذا يا رسول الله فقد غفر الله لك؟ )(قال) وفي رواية البخاري: (فيقول) بلفظ المضارع: (أفلا أكون عبدًا شكورًا) لربه؟ ! زعموا أن الإكثار في العبادة أضحصيل المغفرة فحين حصولها لا حاجة إلى الإكثار، أشار في الجواب إلى، أن الإكثار فيها قد يكون لأداء شكر النعمة، وعبادتُهُ من هذا القبيل، وهذا النوع مما يقتضي حصولَ المغفرة والمبالغةَ فيه لا النقصانَ. انتهى "سندي".
قوله:"أفلا أكون ... " إلى آخره، الفاء داخلة على مسبب عن محذوف؛ تقديره: أأترك تهجدي وقيامي لما غفر لي فلا أكون عبدًا شكورًا؟ ! يعني: غفران الله لي سبب لأن أقوم وأتهجد شكرًا له، فكيف أتركه؟ ! كأن المعنى: ألا أشكره وقد أنعم على وخصني بخير الدارير؟ ! فإن الشكور من أبنية المبالغة يستدعي نعمةً خطيرةً، وتخصيص العبد باردكر مشعر بغاية الإكرام والقرب من الله تعالى، ومن ثم وصفه به في مقام الإسراء، ولأن العبودية تقتضي صحة النسبة، وليست إلا بالعبادة، والعبادة عين الشكر.
وفيه أخذ الإنسان على نفسه بالشدة في العبادة وإن أضر ذلك ببدنه، لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يفض إلى الملال؛ لأن حالة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال، فكان لا يمل من العبادة وإن أضر ذلك ببدنه، بل صح أنه قال:"وجعلت قرة عيني في الصلاة" رواه النسائي، فأما غيره صلى الله عليه وسلم فإذا خشي الملل .. ينبغي له ألا يكد نفسه حتى يمل.
نعم؛ الآخذ بالشدة أفضل؛ لأنه إذا كان هذا فعل المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف من جهل حاله وأثقلت ظهره الأوزار ولا يأمن من عذاب النار؟ ! انتهى من "إرشاد الساري".