وكانت صلاته عليه خاصة به صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال في آخر هذا الحديث -كما في رواية مسلم-: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم" فقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وغيره لا يعلم ذلك، فكان ذلك خصوصًا به صلى الله عليه وسلم، وهذا القول بالخصوصية ليس بشيء لثلاثة أوجه:
أحدها: أنا وإن لم نعلم ذلك .. لكنا نظنه ونرجو فضل الله سبحانه ودعاء المسلمين لمن صلوا عليه.
وثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم قد قال في حديث: "من صلى عليه مئة، أو أربعون من المسلمين .. شفعوا فيه" فقد أعلمنا أن ذلك يكون من غيره.
وثالثها: أنه كان يلزم من ذلك ألا يصلي على ميت أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لإمكان الخصوصية فيمن صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا باطل.
وأشبه ما قيل في حديث السوداء: أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبرها؛ لأنه لم يصل عليها صلاة جائزة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام، ولم يستخلف، بل قد روي أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يعلموه بموتها فلم يُعلموه بذلك كراهة أن يشقوا عليه، كما ذكره مالك من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن مسكينة مرضت، وهذه المسكينة هي السوداء في هذا الحديث، والله أعلم. ويؤخذ منه أنه مَنْ دُفِن بغير صلاة أنه يُصلَّى على قبره، ولا يُخْرَج مِنْ قبره ولا يترك بغير صلاةٍ عليه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الصلاة، باب