واختلف هل يقرأ في صلاة الجنازة بأم القرآن أم لا؟ فذهب مالك في المشهور عنه إلى ترك القراءة فيها، وكذلك أبو حنيفة والثوري، وكأنهم تمسكوا بظاهر ما أخرجه أبو داوود من حديث أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صليتم على الميت .. فأخلصوا له في الدعاء" رواه أبو داوود وابن ماجه وابن حبان، وبأن مقصود هذه الصلاة إنما هو الدعاء له واستفراغ الوُسع بعمارة كل أحوال تلك الصلاة في الاستشفاع للميت.
وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن مسلمة وأشهب من أصحابنا وداوود إلى أنه يقرأ فيها بالفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت حملًا له على عمومه، وبما أخرجه البخاري عن ابن عباس، وصلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال:(لتعلموا أنها سنة)، وأخرج النسائي من حديث أبي أمامة، قال:(السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثًا، والتسليم عند الأخيرة).
وذكر محمد بن نصر المروزي عن أبي أمامة أيضًا قال:(السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر، ثم يقرأ بأم القرآن، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخلص الدعاء للميت ولا يقرأ إلا في التكبيرة الأولى، ثم يسلم) وهذان الحديثان صحيحان، وهما ملحقان عند الأصوليين بالمسند، والعمل على حديث أبي أمامة أولى، إذ فيه الجمع بين عموم قوله:"لا صلاة" وبين إخلاص الدعاء للميت، وقراءة الفاتحة فيها إنما هو استفتاح للدعاء، والله سبحانه وتعالى أعلم.