وذهب ابن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا، واستدل بحديث جابر مرفوعًا:"فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك". انتهى من "الإرشاد".
واستشكل هذا من جهة أن الله تعالى منزه عن استطابة الروائح الطيبة، واستقذار الروائح المنتنة؛ فإن ذلك من صفات الحيوان، وأجيب عنه: بأنه مجاز أو استعارة؛ لأنه جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا، واستعير ذلك؛ لتقريبه من الله تعالى، وقال ابن بطال: معناه: أي: أَزْكى عند الله تعالى؛ إذ هو تعالى لا يوصف بالشم، وقيل: معناه: أنه تعالى يُجْزِيهِ في الآخرة حتى تكون نكهتُه أطيب من ريح المسك، أو: أن صاحب الخلوف ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا.
فإن قلت: لم كان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، ودم الشهيد ريحه ريح المسك مع ما فيه من المخاطرة بالنفس وبذل الروح؟
أجيب: بأنه إنما كان أثر الصوم أطيب من أثر الجهاد؛ لأن الصوم أحد أركان الإسلام، المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس"، وبأن الجهاد فرض كفاية، والصوم فرض عين، وفرض العين أفضل من فرض الكفاية؛ كما نص عليه الشافعي، وروى الإمام أحمد في "المسند" أنه صلى الله عليه وسلم قال: "دينار تنفقه على أهلك ودينار تنفقه في سبيل الله، أفضلهما الذي تنفقه على أهلك"، وجه الدليل: أن النفقة على الأهل التي هي فرض عين أفضل من النفقة في سبيل الله؛ وهو الجهاد الذي هو فرض كفاية. انتهى من "الإرشاد".
قوله:"فرحة عند فطره" أي: يفرح حينئذ طبعًا وإن لم يأكل؛ لما في