للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ

===

(من) شدة (قنوط) ويأس (عباده) من رحمته وفضله في حالة فقرهم ومرضهم وابتلائهم بالمصائب، (وقرب غيره) تعالى؛ أي: مع قرب تغييره تعالى وإزالته لذلك الفقر والمرض والمصائب عنهم، والقنوط على وزن الجلوس؛ وهو اليأس، ولعل المراد ها هنا: هو الحاجة والفقر؛ أي: يرضى عنهم ويقبل بالإحسان إذا نظر إلى فقرهم وفاقتهم وذاتهم وحقارتهم وضعفهم، وإلا .. فالقنوط من رحمته يوجب الغضب لا الرضا، قال تعالى: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (١)، وقال: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (٢).

إلا أن يقال: ذلك هو القنوط بالنظر إلى كرمه وإحسانه؛ مثل ألا يرى له كرمًا وإحسانًا أو يرى قليلًا فيقنط كذلك، فهذا هو الكفر، والمنهي عنه أشد النهي، وأما القنوط بالنظر إلى أعماله وقبائحه .. فهو مما يوجب للعبد تواضعًا وخشوعًا وانكسارًا، فيوجب الرضا ويجلب الإحسان والإقبال من الله تعالى، ومنشأ هذا القنوط هو الغيبة عن صالح الأعمال واستعظام المعاصي إلى الغاية، وكل منهما مطلوب ومحبوب، ولعل هذا سبب مغفرة ذنوب من أمر أهله بإحراقه بعد الموت حين أيس، فليتأمل. انتهى "سندي".

قوله: (وقرب غيره) ضبط بكسر الغين المعجمة ففتح التحتانية؛ بمعنى تغيير الحال، وهو اسم مصدر من قولك: غيرت الشيء تغييرًا وغيرًا فتغير حاله من القوة إلى الضعف، ومن الحياة إلى الموت، وهذه الأحوال مما


(١) سورة الزمر: (٥٣).
(٢) سورة يوسف: (٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>